كم من مرةٍ شعرتَ بالضياع؟ كم من مرةٍ تساءلتَ عن هويتك الحقيقية، عن رغباتكَ، عن طموحاتكَ؟ في زحام الحياة اليومية، بين العمل والدراسة والعلاقات الاجتماعية، ننسى أحياناً أن نخصص وقتاً لنفسنا، للتفكير في من نحن حقاً وما نريد أن نكون. نغرق في روتينٍ يوميٍّ يَمنعُنا من النظر إلى الداخل، من استكشاف الخريطة الداخلية التي تُحدد مسار حياتنا. نحن نركضُ خلفَ الأهداف المُحددة لنا أو التي نعتقد أنها مُحددة لنا، دون أن نتوقف لحظةً لنُفكر: هل هذا ما أريده حقاً؟ هل هذه هي الحياة التي أرغبُ بها؟ رحلةُ المعرفة الذاتية ليست رحلةً سهلة، إنها رحلةٌ إلى أعماق الذات، إلى ذلك العالم الغامض والمثير داخلنا، ولكنها رحلةٌ تستحقُ كلّ عناء.
تُشبهُ نفسَكَ مرآةً مُشوّشةً، تلمعُ فيها أجزاءٌ منكَ، لتكتشفَ صورتَكَ كاملةً.
هذا الكلامُ يُجسّدُ بعمقٍ تجربةَ المعرفة الذاتية. نحن كبشر، نمتلكُ جوانب مُتعددة من شخصياتنا، بعضها واضحٌ وبارز، وبعضها مُختبئٌ في الظلال. تُشبهُ المرآةُ المشوّشةُ حياتنا، ففي بعض الأحيان نرى انعكاساً واضحاً لمشاعرنا وأفكارنا، وفي أحيانٍ أخرى نجد أن الصورةَ مُشوّشةٌ، غير واضحة، مُربكة. لكنّ ذلك لا يعني استحالةَ رؤية الصورة كاملةً. كلما بذلنا جهداً أكبر في التمعّن في أنفسنا، في البحث عن الأسباب الكامنة وراء تصرفاتنا، في فهم دوافعنا، كلما اقتربنا من فهم أنفسنا بشكلٍ أعمق وأشمل. قد نكتشف مواهبَ خفيةً، أو نقاطَ ضعفٍ كنا نجهلها، أو رغباتٍ كنا نكبتها. وهذه العمليةُ هي جوهرُ رحلةِ المعرفة الذاتية. مثال ذلك، قد تكتشف أنكَ موهوبٌ في الرسم رغم أنكَ لم تُحاول ذلك من قبل، أو أن لديكَ قدرةً على التواصل مع الآخرين بشكلٍ أفضل مما كنتَ تظنّ.
في الختام، إن رحلةَ المعرفة الذاتية هي رحلةٌ مُستمرة، لا نهايةَ لها. إنها رحلةٌ تُنمّي وعينا بأنفسنا، وتُساعدنا على اتخاذ قراراتٍ أفضل في حياتنا. لا تترددوا في البدء برحلتكم الخاصة، خصصوا وقتاً للتأمل، للصمت، للسماع إلى صوتِ ضميركم. سجّلوا أفكاركم ومشاعركم، ناقشوا مع من تثقون بهم، واستثمروا في أنفسكم. تذكروا دائماً أنكم تستحقون أن تعرفوا أنفسكم، أن تكتشفوا المرآة كاملةً وواضحةً. شاركوا تجاربكم، فربما تُلهموا الآخرين ليبدأوا رحلتهم الخاصة نحو المعرفة الذاتية.
Photo by Rafaella Mendes Diniz on Unsplash