هل سبق لك أن شعرتَ بالضياع؟ تائهًا بين رغباتك وطموحاتك، مترددًا بين خياراتٍ تبدو جميعها مُغريةً ومُربكةً في آنٍ واحد؟ نحن جميعًا نمرُّ بهذه اللحظات، لحظاتٍ تُشبهُ التيهَ في متاهةٍ ضخمة، نبحثُ فيها عن طريقٍ يُخرجنا من دوامة التساؤلات والشكوك. فهم الذات، أو ما يُعرفُ بـ “المعرفة الذاتية”، ليسَ مجردَ مُصطلحٍ فلسفيٍّ مُعقّد، بل هو رحلةٌ يوميةٌ نُسافرُ فيها لاكتشاف خرائط أنفسنا، وإدراك نقاط قوتنا وضعفنا، وتحديد مسارنا في الحياة. هذه الرحلة ليستَ خطيّةً أو ثابتةً، بل هي مليئةٌ بالمنعطفات والتحوّلات، كما هي الحياة نفسها. فكلّ يومٍ يُضيفُ لنا تجاربَ جديدة، تشكّلُ بدورها فهمنا لأنفسنا وتُعيدُ رسمَ خريطتنا الداخلية. وعلى طول هذا الطريق، سوف نكتشفُ أن فهم أنفسنا هو أهمّ خطوةٍ نحو تحقيق الذات والسعادة.
تُشبهُ نفسَكَ مُنطادًا يتهادى، يُغيّرُ ألوانهُ معَ كلِّ نسمةٍ.
هذا الوصف الشعريّ يُجسّدُ بدقةٍ طبيعةَ شخصيّتنا المتغيرة. فكّر في المنطاد، كيف يتمايلُ مع الرياح، يتغيّرُ ارتفاعهُ واتجاههُ بتأثير النسمات. كذلك نحن، نحنُ نتأثرُ بالعواملِ المُحيطة بنا، التجارب التي نعيشها، الأشخاص الذين نلتقي بهم، والقرارات التي نتخذها. كلّ هذه العوامل تُسهمُ في تشكيلِ هويتنا، مُضيفةً ألوانًا جديدةً إلى مُنطادنا، بعضها فاتحٌ ومشرق، وآخرُ قاتمٌ أو باهت. ولكن، يجب ألاّ ننسى أن لدينا القدرة على توجيه مُنطادنا، على اختيار اتجاههُ وارتفاعهُ، بناءً على فهمنا لأنفسنا، ولأهدافنا. فلا تُخفِ ضعفاتك، بل تعلم منها، ولا تُخفِ نقاط قوتك، بل استغلها.
فمثلاً، مواجهةُ فشلٍ ما قد تُغيّرُ لونَ مُنطادنا مؤقتًا، مُسببةً شعورًا بالإحباط، لكن هذا لا يعني أننا فُقدنا أملنا، بل علينا أن نتعلم من هذا الفشل، ونُغيّرُ اتجاهَ مُنطادنا، ونُواصلُ رحلتنا نحو الأهداف التي نرغبُ بتحقيقها. وحتى تغيراتٌ إيجابيةٌ كالنَّجاح أو علاقات جديدة، تُضيفُ ألوانًا جديدةً ومُختلفةً إلى هذا المنطاد، مُشكّلةً بذلك صورةً مُتجددةً لشخصيتنا.
لذا، خذْ وقتًا للتفكير في ألوان مُنطادك، ما هي الألوان التي تُمثّلُ قوتك، وما هي الألوان التي تُمثّلُ ضعفاتك؟ وماذا يمكنكَ أن تفعل لتُغيّرَ الألوان التي لا تُحبها؟ رحلةُ المعرفة الذاتية هي رحلةٌ مستمرة، وتُعدّ أهمّ رحلةٍ تخوضها في حياتك.
رحلة الاكتشاف هذه لا تتوقف، إنها رحلةٌ تُنمّي وعيكَ بذاتك، وتُساعدك على التعامل مع نفسك ومع العالم من حولك بشكلٍ أكثر وعيًا وإيجابيةً. بادِر اليوم، ابدأ رحلةَ اكتشافِ نفسك، شارِكنا أفكارك حول رحلتك، وساعدنا في بناء مجتمعٍ يتفهّمُ أهميةَ المعرفة الذاتية.
Photo by Praewthida K on Unsplash