هل سبق وأن تساءلتَ عن سرّ تلك اللحظات التي تُشعِرُكَ بِسعادةٍ غامرة؟ تلك اللحظات التي تتسلّلُ إليكَ بهدوء، كنسيمٍ عليلٍ في يومٍ صيفيّ حارّ؟ ربما كانت لحظةً بسيطةً، ضحكةٌ مع الأصدقاء، اتصالٌ هاتفيٌّ مع عزيز، أو حتى مجرد قراءةٍ لكتابٍ مُفضّل. نبحث جميعًا عن السعادة، نسعى وراءها، نُخطّط لها، ونعتقد أحيانًا أنّها هدفٌ بعيدٌ المنال، شبيهٌ بِكأسٍ من الماء في صحراءٍ قاحلة. لكنّ الحقيقة أنّ السعادةَ ليست هدفًا بقدر ما هي رحلةٌ، تجربةٌ يوميةٌ تتطلبُ منا فهمًا عميقًا لأنفسنا ولِما يُسعدنا حقًا. فالسعادة ليست مُجردَ شعورٍ عابر، بل هي حالةٌ من الرضا والسلام الداخليّ، تتطلبُ جُهدًا وعنايةً ومُمارسةً يوميةً. ولكن، كيف نصلُ إليها؟ كيف نُمسكُ بها؟
تُشبه السعادة فراشةً، تهرب من المُطارِد، لكنّها تُزهر في قلوبٍ صامتة.
هذا القولُ يُجسّدُ بِدقةٍ مفهومَ السعادة، فكما أنّ الفراشةَ تهربُ من المُطارِد، هكذا تهربُ السعادةُ من الذين يبحثون عنها بِشكلٍ مُفرطٍ وبِضغطٍ شديد. إنّ القلقَ والتوترَ والإلحاحَ يُبعدان السعادةَ أكثرَ فأكثر. لكنّها، في المقابل، تُزهرُ وتنمو في القلوبِ الهادئةِ، في تلك النفوسِ التي وجدتْ السلامَ الداخليّ، التي تقدّرُ اللحظاتِ البسيطةَ، وتُدركُ قيمةَ الشكرِ والامتنانِ. فكر في لحظاتِ سعادتكَ الأكثرَ تأثيراً: هل كانت ناتجةً عن شيءٍ مُحدّدٍ، أو مُخطّطٍ له، أم أنّها برزتْ بطريقةٍ عفويةٍ، خلالَ هدوءِ الروحِ؟
تُشبهُ السعادةُ زهرةً رقيقةً، تحتاجُ إلى بيئةٍ مُناسبةٍ لِتنمو، وهذه البيئةُ تبدأُ من داخلنا. التأملُ، ممارسةُ اليوغا، قضاءُ وقتٍ في الطبيعة، العنايةُ بالصحةِ الجسديةِ والنفسية، كلّها عواملٌ تُساعدُ على تهيئةِ هذه البيئةِ وتهدئةِ الروح، ليُصبحَ القلبُ أكثرَ استعدادًا لاستقبالِ فراشةِ السعادة.
لذلك، دعونا نُغيّرَ من مقاربتنا للسعادة. بدلاً من البحثِ عنها بشكلٍ مُحمومٍ، لنُركزَ على خلقِ بيئةٍ داخليةٍ مُناسبةٍ لِتُزهر فيها. لنُمارسَ الشكرَ والامتنانَ على ما نملكه، لنُهدّئَ قلوبنا بِالتأملِ والصمتِ، ولنُحيطَ أنفسنا بِمن يُحبّوننا ويدعموننا.
إنّ السعادةَ ليست هدفًا بعيدَ المنال، بل هي حالةٌ نستطيعُ بنائها بِيدينا، بِبناءِ سلامٍ داخليّ ويُسعدنا بِبساطة. شاركوني آرائكم، وتجاربكم في بحثكم عن السعادة، فَربّما نستطيعُ معًا بناءَ حديقةٍ زاهيةٍ بِفراشاتٍ مُتألقةٍ من السعادة.
Photo by vickholius nugroho on Unsplash