كم مرة شعرتَ بوجع صديقٍ كأنّه وجعُك؟ كم مرة وجدتَ نفسكَ تتفهمُ موقفًا مُعاكسًا تمامًا لموقفك، بل و تتمنى لو كنتَ تستطيعُ التخفيف من آلامه؟ هذه المشاعر، هذه اللحظات من الفهم العميق والانفتاح على الآخر، هي جوهر التعاطف. هو ليس مجرد الشعور بالشفقة، بل هو تجاوز الذات لفهم تجربة الآخر، وغوصٌ في بحر مشاعره، حتى لو اختلفت مع معتقداته أو أفعاله. في حياتنا اليومية، نصادف التعاطف في أبسط الأمور: في ابتسامة تُبادِلُها لأحدٍ يُعاني، أو في كلمةٍ طيبةٍ تُريحُ قلبًا مُتعبًا، أو في مساعدةٍ بسيطةٍ تُسهّلُ حياةَ من يحتاجها. التعاطف ليس رفاهية، بل هو ضرورة لبناء علاقاتٍ إنسانيةٍ صحيةٍ وقويةٍ، و هو أساس بناء مجتمعٍ متماسكٍ.

تَخيّلُ نَملةٍ تَحملُ شَمسًا، هكذا هي التعاطف.

يُشبه هذا التشبيه الرائع حمل مسؤولية كبيرة (الشمس) من قبل كائن صغير (النملة). التعاطف هو حمل أعباء الآخرين، فهمُ معاناتهم ومشاكلهم، دون التقليل من أهميتها أو حجمها. تخيلوا نملةً تُحاولُ حملَ الشمس، كم هذا عملٌ شاقٌ وغيرُ مُحتمل! لكنّ هذا هو جوهرُ التعاطف، محاولةٌ مستمرةٌ للفهم والتخفيف، حتى ولو كانت المهمةُ صعبةً ومُرهقةً. ففي مواجهة ألمٍ أو معاناةٍ شخصٍ ما، نحنُ لا نُقلّلُ من حجمِ المعاناة، بل نُحاولُ حملَ جزءٍ منها معه، بقدر ما نستطيع، من خلال الكلام، أو الإنصات، أو المُساعدة. و هذا هو سرّ قوّة التعاطف وفعاليته.

يُمكننا ممارسة التعاطف في حياتنا اليومية من خلال التوقفِ لمُدةٍ قصيرةٍ للفكر في أحاسيسِ الآخرين، ووضعِ أنفسنا مُكانهم، والسؤالُ عن أحوالهم، والإصغاء بانتباهٍ إلى ما يقولونه، حتى لو لم نتفق معهم. إنّ مجردَ محاولةِ الفهمِ بإخلاصٍ تُعتبرُ خطوةً كبيرةً في اتجاهِ بناءِ علاقاتٍ أكثرَ صحةً وسعادةً.

باختصار، التعاطف هو رحلةٌ جميلةٌ، لكنها تتطلبُ جهدًا وممارسةً. دعونا نُحاولُ كلّ يومٍ أن نحملَ “شمسًا” من أعباءِ الآخرين، بقدر ما نستطيع. فكّروا في موقفٍ عاشه أحد أصدقائكم أو أفراد عائلتكم مؤخراً، وحاولوا أن تفهموا شعوره وتجربته، شاركو أفكاركم في التعليقات. لنُبنيَ معًا مجتمعًا أكثرَ تعاطفًا، مجتمعًا يتسعُ لقلوبٍ كبيرة.

Photo by KHALIL MUSA on Unsplash

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top