كم من مرةٍ تمنّيتَ لو أن السعادةَ ثابتةٌ، كشيءٍ ملموسٍ تستطيعُ الإمساك به؟ كم من مرةٍ سعيتَ وراءَ هدفٍ معيّنٍ، ظننتَ أنّه سيُحقّقُ لكَ السعادةَ المنشودة؟ نحنُ جميعاً نبحثُ عن السعادة، هذا الشعورُ الرائعُ الذي يملأُ قلوبنا بالدفءِ والراحةِ. لكن، هل هي فعلاً شيءٌ نستطيعُ امتلاكهُ بشكلٍ دائمٍ؟ هل هي هدفٌ نهائيٌّ نصلُ إليهُ يوماً ما، ثمّ نستريحُ؟ الحقيقةُ أنَّ السعادةَ ليستْ وجهةً، بل هي رحلةٌ مستمرةٌ، رحلةٌ مليئةٌ بالمغامراتِ والتجاربِ، رحلةٌ تتطلبُ منّا أن نكونَ حاضرينَ في كلّ لحظةٍ، وأن نُقدّرَ نعمَ اللهِ علينا. الاستسلامُ لفكرةِ أنَّ السعادةَ شيءٌ بعيدٌ المنالِ، يجعلُنا نغفلُ عن الجمالِ في التفاصيلِ الصغيرةِ، التي تُكوّنُ بمجموعها حياتنا.
سعادةٌ كفراشةٍ، تهرب من يديك لتُزهر بعيداً.
هذا القولُ يعبّرُ بعمقٍ عن طبيعةِ السعادةِ. فكّرْ في الفراشةِ الرقيقةِ، حينما تحاولُ الإمساكَ بها بقوةٍ، تُفلتُ من بينَ أصابعكَ، وتطيرُ بعيداً. السعادةُ كذلك، لا تُحبّ الضغطَ أو الإجبار. إنّ سعيَنا وراءَها بإصرارٍ مفرطٍ يُبعدُها عنّا بدلاً من أن يقربها. فالسعادةُ لا تتحققُ بالتعلّقِ بالأهدافِ الماديةِ أو النجاحاتِ العابرةِ، بل بالتّقديرِ للذاتِ، والمُحيطِ، واللحظاتِ البسيطةِ في الحياةِ. ربما نجدها في ضحكةِ طفلٍ، أو قهوةٍ ساخنةٍ في صباحٍ باردٍ، أو مُحادثةٍ مع شخصٍ نُحبّهُ. تلكَ اللحظاتُ هي الزّهورُ التي تُزيّنُ رحلةَ حياتنا. لذلك، يجبُ علينا أن نُركزَ على الاستمتاعِ بالرحلةِ ذاتها، بدلاً من التركيزِ فقط على الوصولِ إلى هدفٍ معيّنٍ.
لذا، دعونا نتعلّمُ كيف نُدركُ السعادةَ في تفاصيلِ حياتنا اليومية. تعلّمُ التّقديرِ للّحظاتِ البسيطةِ، وإيجادُ الجمالِ في الأشياءِ الصغيرةِ، والمُحافظةُ على علاقاتٍ إيجابيةٍ، وتخصيصُ وقتٍ لأنفسنا وللأنشطةِ التي نُحبّها، كلّها طُرقٌ تساعدُنا في إيجادِ السعادةِ الحقيقيةِ. تذكر دائماً أنّ السعادةَ ليستْ هدفاً نصلُ إليهِ، بل هي أسلوبٌ حياةٍ.
في الختام، أدعوكم إلى التّفكيرِ في هذهِ الكلماتِ بإمعانٍ، والتّفكيرِ في ما يُشعركم بالسعادةِ، وما هيَ اللحظاتُ التي تُضيءُ حياتكم. شاركونا أفكاركم وتجاربكم، لأنّ مشاركةَ السعادةِ تُضاعفُها. تذكّرْ أنّ رحلةَ السعادةِ مُستمرّةٌ، وأنّ الاستمتاعَ بالطريقِ هوَ الهدفُ بحدّ ذاته. لا تنسَ أن تزرع بذور السعادة في حياتك، وستجدها تزهر يوماً بعد يوم.
Photo by Thierry Chabot on Unsplash