كم مرةٍ شعرتَ بأنّ الحياةَ تَضغطُ عليكَ من كلّ جانب؟ كم مرّةٍ سكنَ اليأسُ قلبكَ، مُظلّلاً أيامكَ بلونٍ قاتمٍ؟ نعيشُ في عالمٍ سريعٍ، مُلْتَهِبٍ بالأحداث، يَسْحَبُنا دوّامةُ المسؤوليات والقلق، مُنْسِياً إيانا أحياناً بُعدَ البُهجةِ والسرور في أبسطِ تفاصيلِ حياتنا. ننسى أن نُلاحظُ ضحكةَ طفلٍ، أو حفيفَ أوراقِ الشجر، أو دفءَ شمسٍ صافية. نبحثُ عن السعادة في أماكنٍ بعيدة، في إنجازاتٍ ضخمة، أو في ثرواتٍ هائلة، ونغفلُ عن الكنزِ المُختبئِ في داخلنا، وفي لحظاتنا البسيطة. هل فكرنا يوماً بأنّ السعادةَ ليست وجهةً، بل رحلةٌ؟ رحلةٌ نُشاركُها مع أنفسنا ومع من نحبّ.
سعادةٌ كفراشةٍ، تهرب من قبضة اليأس.
هذا المثلُ البليغُ يُجسّدُ ببراعةٍ طبيعةَ السعادةِ الهشّة، وصعوبةَ الإمساكِ بها عندما نُحاوِلُ القبضَ عليها بقوةٍ. فالسعادةُ كالفراشةِ الرقيقةِ، تهربُ من قبضةِ اليأسِ والقلقِ والضغط. كلّما حاولنا الإمساكَ بها بقوةٍ، كلّما ازدادت هروبها. سرّ السعادةِ يكمنُ في القبولِ، وفي التّفاهمِ مع أنفسنا ومع ظروفنا، وفي القدرةِ على إيجادِ الفرحِ في أبسطِ الأمور. تخيلوا محاولة التقاط فراشة جميلة، كلما اقتربتم منها رفرفت بعيداً. لكن إذا جلسنا بهدوء وتركناها تقترب من تلقاء نفسها، فربما تستقرّ على كتفنا. هكذا هي السعادة، تحتاج إلى صبرٍ وحكمةٍ ورقةٍ في التعامل.
لذا، بدلاً من السعي وراء السعادة بشكلٍ مُجهد، لنحاول أن نُعدّ أنفسنا لاستقبالها. دعونا نُزرعُ بذورَها في أفعالنا الطيبة، في علاقاتنا الإيجابية، وفي التقديرِ لما نملكه. دعونا نُنمّي قُدراتنا على التفاؤلِ، والمغفرةِ، والشّكرِ. فكلّ هذهِ الأمور تُساهمُ في خلقِ جوٍّ مناسبٍ لِهبوطِ فراشةِ السعادةِ على أرواحنا.
لذا، أدعوكم اليومَ إلى التأملِ في حياتكم، وفي ما يُسعدكم حقيقةً. شاركوني أفكاركم وتجاربكم في اللّحظاتِ التي شعرتُم بها بسعادةٍ حقيقية، فالتجاربُ المُشتركةُ تُثري حياتنا وتُقربنا من بعضِنا البعض. تذكّروا، السعادةُ ليست هدفاً نصلُ إليه، بل رحلةٌ يجبُ أن نُسافرَها بِوعيٍّ وإيجابيةٍ حتى نتمتع بكل لحظة فيها. فالسعادةُ تستحقُّ كلّ جهدٍ نَبذلهُ لِلحفاظِ عليها.
Photo by Nathan Dumlao on Unsplash