نعيش في زمنٍ سريع، زمنٌ يملي علينا جدولًا مزدحمًا بالواجبات والمسؤوليات. بين ضغوط العمل، ومتطلبات الحياة اليومية، وحتى متعة وسائل التواصل الاجتماعي، نسعى جميعًا وراء شيءٍ ما، شيءٍ يصعب تحديده أحيانًا، لكننا نعرفه جيدًا: السعادة. هل هي تلك اللحظة العابرة من الضحك المُتواصل مع الأحبة؟ أم هي الشعور بالرضا عن إنجاز مهمةٍ صعبة؟ ربما تكون تلك الهدوء النفسي الذي نشعر به عندما نكون وحدنا في الطبيعة، بعيدًا عن ضوضاء المدينة. تتعدد أشكالها وتتباين تعريفاتها حسب كلٍ منا، لكن هدفنا جميعًا هو بلوغها والتمتع بها. لكن كيف نصل إليها؟ هل هي هدف بعيد المنال، أم سرّ يكمن في تفاصيل حياتنا اليومية؟ دعونا نتعمق قليلاً في هذا الموضوع.

سعادةٌ كالزّبد، تطفو على بحرٍ من الهدوء.

هذا المثل الرائع يقدم لنا تصورًا عميقًا لطبيعة السعادة. فليست السعادة انفجارًا عاطفيًا مُتقطعًا، بل هي تلك اللحظات الهادئة والجميلة التي تظهر على سطح حياةٍ مستقرة و هادئة. الزبد، هنا، يرمز إلى تلك المشاعر الإيجابية القصيرة، بينما بحر الهدوء هو الأساس الصلب الذي تنبع منه السعادة الحقيقية. بدون ذلك الهدوء النفسي والروحي، ستكون السعادة مجرد لحظات عابرة، مثل رغوة البحر التي سرعان ما تزول مع الأمواج.

للوصول إلى هذا “بحر الهدوء”، يجب علينا أولًا أن نعمل على بناء أساس متين في حياتنا. هذا يعني الاعتناء بصحتنا الجسدية والنفسية، إيجاد توازن بين العمل والراحة، وإقامة علاقات صحية قوية مع من نحب. تعلّم فن إدارة الوقت، ممارسة التمارين الرياضية، وإعطاء أنفسنا مساحة للراحة والاسترخاء، كلها خطوات نحو تحقيق هذا الهدوء الذي هو جوهر السعادة الدائمة. تخيلوا، على سبيل المثال، شخصًا مُنهكًا من العمل، لا يجد وقتًا لنفسه، ولا يستطيع الاستمتاع بلحظاتٍ بسيطة، سيكون من الصعب عليه الشعور بالسعادة الحقيقية، حتى لو حقق إنجازاتٍ كبيرة. أما الشخص الذي يجد وقتًا للتفكر، والتأمل، والاسترخاء، فإن السعادة ستكون أقرب إليه، وستكون أكثر استدامة.

ختامًا، رحلة البحث عن السعادة رحلةٌ مستمرة، ولكنها رحلةٌ تستحق العناء. ليس الهدف هو الوصول إلى سعادةٍ كاملةٍ ودائمة، بل هو السعي الدائم نحو بناء أساسٍ متينٍ من الهدوء والسلام النفسي، حتى تطفو فوقه لحظات السعادة كزبدٍ جميلٍ ومُستدام. أدعوكم الآن إلى التفكر في حياتكم، وتحديد ما يحتاجه “بحر هدوئكم” ليكون أكثر استقرارًا، ثم شاركونا أفكاركم. لأنّ السعادة ليست وجهةً، بل هي رحلةٌ جميلة نتشاركها معًا.

Photo by guille pozzi on Unsplash

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top