كم مرة شعرتَ بأنّكَ لا تفهمُ تصرّف شخصٍ ما؟ كم مرة وجدتَ نفسكَ تحكم على الآخرين بناءً على انطباعاتٍ سريعةٍ، ربما سطحية؟ في زحمة الحياة اليومية، بين ضغوط العمل والمسؤوليات العائلية، ننسى أحيانًا أن نضع أنفسنا مكان الآخرين، وأنّ لكلٍّ منّا قصّته الخاصة، وألمَه، وأحلامه. نحن نُحيطُ بأنفسنا بجدارٍ من الأفكار المسبقة، ونُقيّمُ المواقف من خلال مرشّحِ خبراتنا الشخصية، مُغفلين عن تنوّعِ التجارب الإنسانية، وعمقِ المشاعر التي قد تُخفيها نظرةٌ هادئةٌ، أو كلمةٌ عابرةٌ. التعاطف، ليسَ مجردَ شعورٍ عابرٍ، بل هوَ فنٌّ يُنمّى، وممارسةٌ يوميةٌ تُثري حياتنا، وتُقرّبُنا من بعضنا البعض. إنّهُ رحلةٌ تبدأُ بخطوةٍ صغيرة، بخطوةِ الفهم والتقبّل.
رؤية العالم عبر عيون فراشةٍ صغيرة.
ماذا يعني هذا الكلام؟ يعني أن نُغيّرَ منظورنا، أن نُنزعَ عن أنفسنا ثوبَ الكبرياءِ والغطرسة، وأن ننظرَ للعالم من خلال عيونٍ صغيرةٍ، هشةٍ، حساسةٍ. تخيلوا فراشةً صغيرةً تحاولُ الوصول إلى زهرةٍ بعيدةٍ، تواجهُ الريحَ العاتية، وتُهدّدها الطيورُ الجائعة. هل نستطيعُ أن نفهمَ صراعها، خوفها، رغبتها في البقاء؟ التعاطف يُمكّنُنا من ذلك. هوَ القدرةُ على فهمِ مشاعر الآخرين، والمشاركةِ في أحاسيسهم، ولو بشكلٍ رمزيّ. هوَ أن نرىَ العالم من خلال عيون من هم مختلفون عنا، صغارًا كانوا أم كبارًا، أغنياءَ أم فقراءَ، أصحّاء أم مرضى. فمثلاً، شخصٌ يعاني من مرضٍ مزمنٍ، قد لا يكون مُتقصّراً في عمله، لكنّ ألمهُ قد يُؤثّر على إنتاجيته، فالتعاطف هنا يُحفّزُنا على الفهم، والصبر، والدعم.
إنّ ممارسةَ التعاطفِ تُساعدُنا على بناء علاقاتٍ إنسانيةٍ أعمقَ وأكثرَ متانةً. تُساعدُنا على تجاوزِ الخلافات، وحلّ النزاعات بطريقةٍ سلميةٍ، وتُنمّي لدينا روحَ التعاونِ والتضامن. هوَ جسرٌ يُوصِلُنا بالآخرين، ويُخفّفُ من حدةِ الانقساماتِ التي قد تُعيقُ تقدّمنا كجماعةٍ. ليس من السهل أن نضع أنفسنا في مكان شخص آخر دائماً، لكن مجرد المحاولة تفتح أبواباً جديدة للفهم والرحمة.
ختامًا، رحلةُ التعاطفِ رحلةٌ مُمتعةٌ ومُثمرةٌ. إنّ رؤيةَ العالمِ عبر عيونِ فراشةٍ صغيرةٍ دعوةٌ إلى التواضعِ، والإصغاءِ، والفهمِ. دعونا نُخصّصَ وقتًا للتفكير في هذه الفكرة، لنشاركَ تجاربنا في التعاطف مع من حولنا، ونُطبّقَ هذا المبدأَ في حياتنا اليومية. فبقدرِ ما نُمارسُ التعاطفَ، نُثري أنفسنا، ونُساهم في بناءِ عالمٍ أفضل، عالمٍ يُعتمدُ فيهِ الاحترامُ المتبادلُ، والتفاهمُ، والحبّ. فهل ستنضمّون إلى هذه الرحلة؟
Photo by Annie Spratt on Unsplash