كم مرةً شعرتَ بأنّكَ تفهم شخصًا ما تمامًا، دون أن يُفصح هو عن مشاعره بكلمات صريحة؟ ربما كانت نظرةٌ عميقةٌ، أو حركةٌ لا إراديةٌ، أو حتى صمتٌ مُعبّرٌ أكثر من ألف كلمة. نحن، كبشر، نمتلك قدرةً مذهلة على الشعور بما يشعر به الآخرون، فالتعاطف ليس مجرد فهمٍ عقليٍّ لما يمرّ به أحدهم، بل هو رحلةٌ عاطفيةٌ نشارك فيها الآخرين مشاعرهم وأحاسيسهم، سواءً كانت سعادةً، حزنًا، خوفًا، أو غضباً. في حياتنا اليومية، نصادف مواقفَ تُظهر لنا أهمية التعاطف في بناء علاقاتٍ قويةٍ وصحيةٍ، من التفاعل مع أصدقائنا وعائلتنا إلى تعاملنا مع زملائنا في العمل، وحتى مع الغرباء في الشارع. فالتعاطف هو جوهر التواصل البشريّ، هو اللغةُ التي تُترجم ما وراء الكلمات، اللغة التي تُبني جسورًا من التفاهم والاحترام بين القلوب.

***

رؤىٌ تُرجم عبر ضحكاتٍ خافتة، فهمٌ يتراقص على أطراف الأصابع.

***

هذا القول البديع يُلخّص جوهر التعاطف بشكلٍ رائع. “رؤىٌ تُرجم عبر ضحكاتٍ خافتة” تشير إلى أنّ فهمَ حالةِ الآخر لا يتطلب دائمًا كلماتٍ واضحةً، فأحيانًا تُخبرنا الضحكاتُ الخافتةُ، أو حتى الدموعُ المُحتجزةُ، بقصصٍ أعمقَ بكثيرٍ مما تُعبّر عنه الكلماتُ. “فهمٌ يتراقص على أطراف الأصابع” يُشير إلى دقةِ التعاطف، إلى حساسيتهِ ومقدرتهِ على الاستشعار الدقيق لما يدور في نفسِ الآخر. إنه فهمٌ لا يُفرض، بل يُكتشفُ ببطءٍ وحذرٍ، مثل راقصٍ متقنٍ يتحركُ ببراعةٍ على أطرافِ أصابعهِ. فكر، مثلاً، في صديقٍ يعاني من صراعٍ داخليّ، لا يُصارحك به مباشرةً. لكنكَ، من خلال ملاحظتكَ للسلوكياتهِ وتغيراتِ مزاجه، تستطيع التعاطف معه وفهم مُعاناته، حتى دون أن يُخبرها لك.

***

ختامًا، التعاطف ليسَ مجردَ ميزةٍ شخصيةٍ، بل هوَ مِهارةٌ يُمكنُ تطويرُها وتعزيزُها. فكر، اليوم، في مواقفَ تفاعلتَ فيها بالتعاطف مع الآخرين، واستذكر كيفَ شعرتَ في تلكَ اللحظات. تحدث مع أصدقائكَ أو عائلتكَ عن أهميةِ التعاطف في حياتنا، وانشر رسالةَ التعاطف والفهم بين من حولك. ففي عالمٍ مليءٍ بالاختلافات، يُعدّ التعاطفُ الجسرَ الأساسيّ لبناءِ علاقاتٍ إنسانيةٍ قويةٍ ومُثمرةٍ، ويُشكلُ أساسَ مجتمعٍ متماسكٍ وسعيدٍ. لأنّ لغةَ التعاطف، مهما اختلفتِ اللغاتُ، هيَ لغةُ القلبِ التي تفهمُ كلّ القلوب.

Photo by amjd rdwan on Unsplash

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top