كم من مرة شعرتَ بالضياع، وكأنك تبحث عن شيء ما دون أن تعرف ماهيته؟ كم مرة وقفتَ أمام المرآة تتساءل عن هويتك الحقيقية، عن طموحاتك، عن قيمك، عن ما يجعلك مميزاً؟ إنّ هذا الشعور بالبحث عن الذات، هو شعور إنسانيٌّ جوهريٌّ، يُرافقنا في رحلة حياتنا. فلا نتوقع أن نستيقظ ذات صباح ونُدرك كل شيء عن أنفسنا دفعة واحدة. معرفة الذات ليست هدفاً نصل إليه فجأةً، بل هي رحلةٌ مُمتعةٌ، تتطلب الصبر والتفاني والرغبة الحقيقية في الفهم العميق لأنفسنا. هي عمليةٌ مستمرةٌ من الاستكشاف والتعلّم، تُساعدنا على فهم دوافعنا، مخاوفنا، قوتنا، وضعفنا، ما نرغب به حقاً، وما نحتاج إليه للوصول إلى حياةٍ أكثر إشباعاً وسعادة. هذه الرحلة تبدأ بخطوة صغيرة، بقليل من التفكير، ببعض الأسئلة المُوجّهة لأنفسنا، وبالتأمل في تجاربنا السابقة.
قشرة البصل، طبقة طبقة، تكشف عن جوهرك المضيء.
هذا المثل الرائع يُجسّد ببراعة عمليةَ معرفة الذات. فكما أن قشرة البصل تتكون من طبقات متعددة، كذلك هو حالنا نحن البشر. لدينا طبقات من الخبرات، التجارب، التوقعات، والقناعات التي تُشكّل تصوّرنا عن أنفسنا. ولكن هذه الطبقات الخارجية، أحياناً، تحجب عنّا جوهرنا الحقيقي، نورنا الداخليّ. فمعرفة الذات تتطلب نزع هذه الطبقات، واحدة تلو الأخرى، بالتأمل، بالمراجعة النقدية، بالتسامح مع أخطائنا، وبقبول أنفسنا كما نحن. كل طبقة نُزيلها، تُكشف لنا المزيد عن أنفسنا، حتى نصل في النهاية إلى جوهرنا المضيء، إلى ذلك الجزء منّا الذي يُشعّ بالحبّ، بالقوة، وبالإمكانات الكامنة. قد تكون هذه العملية مؤلمة أحياناً، لكنها في النهاية مُحررة ومُشجعة.
لتسهيل هذه الرحلة، يمكننا البدء بممارسات بسيطة ككتابة اليوميات، التأمل، قراءة الكتب المتعلقة بالتنمية الذاتية، أو حتى مجرد قضاء بعض الوقت في التأمل الهادئ. يمكننا أيضاً طلب المساعدة من معالج نفسي أو مدرب حياة لمساعدتنا في هذه العملية. المهم هو أن نبدأ وأن نكون صادقين مع أنفسنا في كل خطوة من خطوات هذه الرحلة المُلهمة.
في الختام، إنّ رحلة معرفة الذات هي رحلةٌ لا نهاية لها، لكنها رحلةٌ تستحق كل الجهد. فكلما تعرّفنا على أنفسنا أكثر، كلما أصبحنا قادرين على العيش حياةٍ أكثر وعيًا، إشباعاً، وهدفاً. أدعوكم اليوم إلى أخذ بعض الوقت للتفكير في أنفسكم، في رحلتكم الخاصة نحو معرفة ذاتكم. شاركونا أفكاركم، وتجاربكم، فلنبنِ معاً مجتمعاً أكثر وعياً بذاته. تذكروا، جوهركم المضيء ينتظركم، وراء طبقات قشرة البصل.
Photo by Sunny Ng on Unsplash
