كم مرة وجدت نفسك تتأثر بابتسامة طفل بريء، أو تُحزنك قصة مُحزنّة سمعتها من صديق؟ كم مرة شعرتَ برغبةٍ مُلحةٍ في مُساعدة شخصٍ ما، حتى وإنْ لم تكن تعرفَه جيداً؟ هذه المشاعر، هذه الرغبة في فهم الآخرين ومشاركتهم مشاعرهم، هي جوهر التعاطف. هو ذلك الرابط الخفي الذي يُوَحّد البشر، ويُكسِب حياتنا معناً أعمق. في زحمة الحياة اليومية، وسط ضغوط العمل والدراسة والمسؤوليات، قد ننسى أحياناً أهمية التعاطف، ونُركز فقط على أنفسنا ومشاكلنا. ولكن، لنتذكر أنَّ الحياة أكثر من مجرد تحقيق الأهداف المادية؛ فهي رحلةٌ مشتركةٌ نُشاركها مع الآخرين، والتعاطف هو البوصلة التي تُرشدنا نحو هذا المشاركة الحقيقية. فبقدر ما نُبدي تعاطفنا مع الآخرين، نجد أنفسنا نُحاطاً بمحبةٍ وتفهمٍ متبادل.

**مراياٌ تُعكسُ الروح، ليسَ الوجه.**

هذا القول البليغ يُلخّص جوهر التعاطف ببراعة. فكثيراً ما نُحكم على الآخرين من خلال مظهرهم الخارجي، نسارع إلى وضعهم في خاناتٍ مُحددة بناءً على ما نراه، دون أن نتعمق في فهم شخصياتهم، قصة حياتهم، و ما يخفيه قلوبهم. لكن التعاطف يدعونا إلى النظر إلى أبعد من الوجه، إلى الروح نفسها، إلى تلك المشاعر والأحاسيس التي تُشكّل هوية الفرد الحقيقية. فقد يخفي وجهٌ مبتسمٌ حزناً عميقاً، وقد تُخفي ملامحٌ قاسيةٌ قلباً طيباً. التعاطف هو قدرةٌ على رؤية ما وراء القناع، على فهم الألم والصعاب التي قد يواجهها الآخرون، مهما كانت مظاهرهم ظاهرةً لنا. مثلاً، قد نرى شخصاً مُهملاً في مظهره، لكن التعاطف يدفعنا إلى التساؤل عن سبب ذلك الإهمال، هل هو مرضٌ، حزنٌ، أم ظروفٌ قاسية؟

فلنتذكر أنَّ التعاطف ليس مجرد شعورٍ عابر، بل هو سلوكٌ يُمارس يومياً. هو القدرة على وضع أنفسنا مكان الآخرين، فهم ما يشعرون به، دون أن نُحكم عليهم أو نُنتقدهم. هو الاستماع بصدقٍ، تقديم الدعم المُناسب، وتفهم السياقات التي تُشكّل حياة كل فرد. هذا الفعل البسيط، لكنّه القوي، يُحدث فرقاً كبيراً في حياتنا وحياة من حولنا، ويُبني جسورًا من الثقة والمحبة.

لذا، دعونا نتذكر اليوم قيمة التعاطف، ونُجاهد لأنفسنا في مُمارسته. فكّر في شخصٍ عزيزٍ عليك، أو حتى في شخصٍ غريبٍ قابلتَه اليوم، وتساءل عن ما قد يختبئ خلف ملامحه. حاول أن تتفهم رحلته، مشاعره، وتحدياته. شارِك هذه التأملات مع أصدقائك، ونشر ثقافة التعاطف، فنحن جميعاً بحاجةٍ إليه، في عالمٍ يحتاج إلى المزيد من الحبّ والتفهم. إنّ بناء مجتمعٍ قائم على التعاطف هو هدفٌ نبيلٌ يستحق الجهد والعمل الدؤوب. فالتعاطف ليس مجرد خلقٍ حميد، بل هو أساسٌ متينٌ لبناء علاقاتٍ إنسانيةٍ قويةٍ وصحية.

Photo by Joshua Rawson-Harris on Unsplash

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top