كم من مرة شعرت بضيقٍ في صدرك، بألمٍ غامضٍ لا تعرف مصدره بالضبط؟ ربما كنت تشاهد تقريراً عن كارثة طبيعية، أو تسمع قصة شخص يعاني من صعوبةٍ ما. ربما رأيت شخصاً في الشارع يبدو عليه الحزن، وتركته يمضي دون أن تسأل عن حاله. في تلك اللحظات، تتسلل إلينا مشاعر غامضة، مزيجٌ من الحزن والقلق والانزعاج. هذه المشاعر، إنْ أُحسنت فهمها، هي بمثابة دعوةٍ للتعاطف، وهي مفتاحٌ لفهم أنفسنا والآخرين بشكل أعمق. التعاطف ليس مجرد شعورٍ عابر، بل هو فنٌ يتطلب الممارسة والوعي، فنٌ يُنمي داخلنا روحاً جميلةً وتفكيراً متسامياً. هو جسرٌ يُصلنا بمن حولنا، ويُساعدنا على بناء علاقاتٍ أكثر سلاماً وتفاهماً. ولكن كيف نُتقن هذا ال فنّ؟ أين نبدأ هذه الرحلة؟

مراياٌ متكسرة تعكس نفسَ الروح.

هذا القول يُجسّد بصورةٍ جميلة ماهية التعاطف. فكما أنّ المرآةَ المتكسرّة لا تعكس صورةً واضحةً، هكذا يكون حالُنا حينما نفتقرُ إلى التعاطف. نرى الأشياءَ بطريقةٍ مشوّشةٍ، نقيمُ الأحكامَ سريعاً، ونغفلُ عن التفاصيلِ الهامةِ التي تُشكلُ قصةَ الشخصِ الأخر. لكن عندما نُحاول فهمَ وجهاتِ النظرِ المختلفة، ونُضعُ أنفسنا مكانَ الآخرين، تبدأُ “المرايا” في التّلمّع، وتظهرُ الصورةُ بكلّ وضوحها. تخيلوا مثلاً شخصاً فقد وظيفته، فبدلاً من الحكم عليه بأنّه “كسلان” أو “غير كفؤ”، حاولوا أن تضعوا أنفسكم مكانه، تخيلوا قلقه ومشاكله المالية، حينها ستتغير نظرتكم له وتتولد لديكم رغبة بمساعدته.

يُمكن أن نبدأ بخطواتٍ بسيطةٍ لتنميةِ التعاطفِ داخلنا. مثل الاستماعِ الفعّال، وإعطاءِ الآخرينِ الوقتِ الكافيِ لتعبيرِ أنفسهم، والامتناعِ عنِ إصدارِ الأحكامِ المبكرة، والتعرف على قصص من حولنا. كلما زادت خبرتنا في فهم وجهات نظر الأخرين كلما أصبحنا أكثر قدرة على التعاطف. فالتعاطف ليسَ ضعفاً كما يعتقد البعض، بل هو قوةٌ داخليةٌ تُمكّننا من بناءِ علاقاتٍ صحيةٍ وتعزيزِ الانسجامِ في مجتمعاتنا.

في الختام، أدعوكم إلى التأملِ في هذه المسألةِ الهامةِ. حاولوا أن تُغيّروا من منظوركم إلى الآخرين، وانظروا إلى الناس بقلوبٍ متعاطفة. شاركوا أفكاركم وخبراتكم معنا، فلنجعل من عالمنا مكاناً أكثرَ رحمةً وإنسانيةً. فالتعاطف هو ليس مجردَ كلمةٍ، بل هو أسلوبُ حياةٍ، يُضيءُ الطريقَ نحوَ مستقبلٍ أفضل، مستقبلٌ يبنى على التفاهم والمحبة والتعاطف الصادق.

Photo by Richard Jaimes on Unsplash

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top