كم مرة شعرتَ بتلك الوخزة الخفيفة في قلبك، عندما شاهدتَ شخصًا يعاني؟ كم مرة وجدتَ نفسكَ تتمنى لو كنتَ تستطيع أن تخفف عن أحدهم بعضًا من ثقله؟ التعاطف، هذا الشعور الإنسانيّ الراقيّ، ليس مجرد كلمة جميلة نرددها، بل هو جوهرٌ يمسّ حياتنا اليومية بطرقٍ لا تُحصى. من أبسط الأمور، كمساندة صديقٍ يمرّ بمرحلة صعبة، إلى المساهمات الكبرى في الأعمال الخيرية والاجتماعية، يظهر التعاطف كدافعٍ أساسيّ لتفاعلاتنا مع العالم من حولنا. إنه الجسر الذي يربط بين القلوب، ويُشكل أساسًا متينًا للعلاقات الإنسانية السليمة والصحية. إنه بوصلتنا الأخلاقية التي توجهنا نحو فهم الآخرين، وقبولهم، ومساعدتهم. فالتعاطف، في جوهره، هو فنّ الاستماع، وفنّ الشعور، وفنّ العطاء، وهو رحلةٌ تستحقّ منّا أن نتعمق فيها.
مرايا الكون، تعكس ضحكاتٍ غريبة.
هذه الجملة، وإن بدت غامضة في ظاهرها، تحمل في طياتها الكثير من المعاني العميقة المتعلقة بالتعاطف. “مرايا الكون” تشير إلى انعكاسات الواقع، إلى الخبرات المتنوعة التي نعيشها ونشهدها يوميًا. أما “الضحكات الغريبة” فهي انعكاسٌ للآلام والأوجاع التي قد تبدو غريبةً لنا في البداية، لكنّها حقيقيةٌ ومؤلمةٌ لمن يعيشها. التعاطف الحقيقيّ يبدأ من قدرتنا على فهم هذه “الضحكات الغريبة”، على إدراك أن وراء كلّ وجهٍ مختلفٍ قصةً خاصة، وعالمًا من المشاعر والأحاسيس التي قد تختلف عن عالمنا، لكنها لا تقلّ أهميةً عنه. فبدلًا من الحكم والاستنتاج السريع، علينا أن نُبذل جهدًا لفهم السياق، والسعي لإدراك معاناة الآخرين، حتى وإن بدا ذلك صعبًا أو مختلفًا عن تصورنا.
فلنتخيل، على سبيل المثال، شخصًا يعاني من مرض نفسيّ. قد تبدو سلوكياته “غريبة” لمن لا يفهم طبيعة مرضه، لكنّ التعاطف يتطلب منّا أن نتجاوز هذه “الغرابة”، ونحاول فهم معاناته، ودعمه بدلًا من إصدار الأحكام عليه. أو شخصٌ يُعاني من فقرٍ أو ظلمٍ، قد تبدو قصته “غريبة” لمن يعيش في راحةٍ وسعادةٍ، لكنّ التعاطف يهدف إلى تجاوز هذه الفجوات، والعمل على تخفيف معاناة الآخرين. بذلك، نُصبح أكثر وعيًا بواقعنا، وأكثر قدرةً على بناء علاقاتٍ إنسانيةٍ سليمة.
في الختام، التعاطف ليس مجرد شعورٍ، بل هو ممارسةٌ يوميةٌ تتطلبُ منّا الوعي والحساسية، والقدرة على الخروج من أطرنا الشخصية لفهم آلام الآخرين. لنحاول، اليوم، أن نكون أكثر تعاطفًا مع من حولنا، ولنُشارك تجربتنا في التعاطف مع الآخرين من خلال مشاركة هذه المقالة مع أصدقائنا وعائلتنا. فبناء عالمٍ أكثر تعاطفًا يبدأ بكلّ منّا، خطوةً بخطوة. لنجعل من “الضحكات الغريبة” فرصةً للتعلم والنموّ والإنسانية.
Photo by bharath g s on Unsplash