هل سبق لك أن شعرت بالضياع؟ كأنك تسير في متاهة لا نهاية لها، تدور في دوائر دون أن تعرف وجهتك الحقيقية؟ كثيرٌ منا يمرّ بهذه اللحظات، لحظاتٍ نشعر فيها بأننا غرباء عن أنفسنا، غافلون عن رغباتنا الحقيقية، وأهدافنا في الحياة. نبحث عن السعادة والرضا في الخارج، في الإنجازات المادية، وفي إرضاء الآخرين، دون أن ندرك أن المفتاح الحقيقي يكمن في أعماقنا، في رحلة المعرفة الذاتية. رحلةٌ قد تبدو شاقةً في البداية، لكنها ثريةٌ بالمكاسب، وتُثري حياتنا بشكلٍ لا يُصدّق. هذه الرحلة ليست سباقًا نحو هدف بعيد المنال، بل هي عملية اكتشاف يومية، تتطلب الصبر، والاستعداد للنظر إلى الداخل، والانفتاح على عوالمنا الداخلية الغنية.
—
لُغزٌ أنتَ، يُحلُّ بِتَقطيعِ شَمعةٍ، قطعةً قطعةً، لتَرى نُورَكَ الدّاخليّ.
—
هذا القول البليغ يُلخّص جوهر رحلة المعرفة الذاتية بشكلٍ رائع. نحن كبشر، أُناسٌ معقّدون، مليئون بالأسرار والغموض. كشمعةٍ مغلّفةٍ بطبقاتٍ متعددة، يجب علينا أن نُزيل هذه الطبقات واحدةً تلو الأخرى، بالتأمل، بالتجربة، وبالمواجهةِ الصادقةِ لأنفسنا. قد نجد أنفسنا نتجنب مواجهة جوانب مظلمة أو عيوبٍ نراها في أنفسنا، لكنّ هذه المواجهة هي الخطوة الأولى نحو النور الداخلي. فكّر مثلاً في مهاراتك وقدراتك: ما هي مواهبك؟ ما الذي تُتقنه بشكلٍ أفضل؟ وماذا عن نقاط ضعفك؟ ما هي المخاوف التي تُعاني منها؟ بإجابة هذه الأسئلة، بصدقٍ وشفافية، نبدأ بفكّ لغز أنفسنا، ونضيء الطريق نحو فهم أعمق لذواتنا. ليس من الضروري أن نفعل كل شيء دفعة واحدة، فالمهم هو البدء، وتخصيص وقتٍ للتفكير والتأمل، وكتابة اليوميات، وإجراء التمارين التأملية. كلّ قطعةٍ من الشمعة تُزيح طبقةً من الغموض، تُكشف عن جزءٍ من نورنا الداخلي.
—
باختصار، رحلة المعرفة الذاتية هي رحلةٌ طويلةٌ، لكنها مُجزيةٌ للغاية. هي ليست مجرد مهمةٍ، بل هي عمليةٌ مستمرةٌ من النموّ والاكتشاف. أدعوكم اليوم إلى البدء في هذه الرحلة، إلى تخصيص بعض الوقت للتفكير في أنفسكم، في نقاط قوتكم وضعفكم، وأهدافكم ورغباتكم. شاركوا أفكاركم، انفتحوا على تجارب الآخرين، واستمتعوا برحلة اكتشاف الذات قطعةً قطعةً. ففي أعماق كلٍ منا، يوجد نورٌ داخليٌّ ينتظر أن يُكشف عنه. اكتشفوا نوركم، واجعلوا حياتكم أكثر إشراقاً.
Photo by Devin Avery on Unsplash