كم مرة شعرتَ بأنّ فكرةً رائعةً تُراودك، فكرةً تُضيءُ ذهنكَ كشمسٍ صافيةٍ، ولكنّكَ تجدُ نفسكَ عاجزاً عن التعبير عنها؟ ربما كنتَ تُحاولُ رسمَ لوحةٍ جميلةٍ في ذهنكَ، أو تُرَكّبُ قطعةً موسيقيةً بديعةً، أو تُؤلّفُ قصةً آسرةً، لكنّ الكلماتَ أو الألوانَ أو النغماتِ ترفضُ الخروجَ إلى النور. هل هذا يعني أنّ الإبداعَ قد خذلك؟ كلا، بالتأكيد! الإبداعُ رحلةٌ، وليستْ وجهةً، وهو رحلةٌ تبدأُ غالباً من مكانٍ هادئٍ، من زاويةٍ من الصمت. فالصمتُ، بعيداً عن كونه فراغاً، هو مساحةٌ خصبةٌ تُغذّي روحَ الإبداعِ وتُنمّيها. ففي صخبِ الحياةِ اليوميةِ، نحتاجُ إلى لحظاتٍ من السكون لنستمعَ إلى صوتِ أنفسنا، ولنُطلقَ العنانَ لخيالنا. فالإبداعُ ليسَ موهبةً فطريةً فقط، بل هو مهارةٌ تُكتسبُ بالتدريبِ والممارسةِ، وبالقدرةِ على الاستماعِ إلى ذلك الصوتِ الهادئِ بداخلنا.

خيالٌ يرقصُ على أوتارِ صمتٍ، مُنْتِجٌ عَجائِب.

هذا القولُ يُلخّصُ جوهرَ الإبداعِ ببراعةٍ. فالصمتُ هنا ليسَ غيابَ الصوتِ، بل هو حالةٌ من التركيزِ العميقِ، من الانغماسِ التامّ في العالمِ الداخليّ. وخيالنا هو ذلك الراقصُ الذي يتحركُ بحريةٍ بين أوتارِ هذا الصمت، يُنسجُ أفكاراً جديدةً، ويرسمُ صورًا بديعةً، ويُخلقُ عوالمَ ساحرةً. تخيّلوا عالِمَ الرياضياتِ وهو يصارعُ معادلةً صعبةً، أو الشاعرَ وهو يُصارعُ كلماتِهِ لِإخراجِ معنىً عميق، أو الرسامَ وهو يُحاولُ ترجمةَ رؤيتهِ إلى لوحةٍ فنية. في كلّ هذهِ الحالات، الصمتُ هو الملاذُ الآمن، هو المساحةُ التي يتكوّنُ فيها الإبداعُ، ويتجسّدُ في أعمالٍ تُدهشُنا بجمالها وبراعةِ صُنعتها.

دعونا نأخذ مثالاً على ذلك: مُلحّنٌ موسيقيّ يُعاني من حالةِ “إحصارٍ إبداعيّ”، لا يستطيعُ كتابةَ أيّ لحنٍ جديد. بدلاً من الإحباط، يقرّرُ أنْ يبتعدَ عن ضجيجِ المدينةِ، ويجدُ لنفسهِ مكاناً هادئاً، ليُغرقَ نفسهُ في صمتٍ مُطْلَق. يبدأُ بالاستماعِ إلى أصواتِ الطبيعة، إلى همسِ الريحِ، وهمسِ الأمواج، وهذهِ الأصواتُ تُلهمُهُ، فتُحَرّكُ خياله، ويبدأُ بلحنٍ جديدٍ، لحنٍ يأخذُنا إلى عوالمَ سَحَريةٍ. هذا مثالٌ بسيطٌ يُظهرُ كيفَ يُنتجُ الصمتُ العجائبَ، عندما يتّحدُ معَ خيالٍ مُفعَمٍ بالحياة.

ولكي نُنمّيَ قدرتنا على الإبداع، يجبُ علينا أنْ نُعطيَ أنفسنا وقتاً للصمت، للانعزالِ عن ضجيجِ الحياةِ اليومية، وللاستماعِ إلى صوتِ أنفسنا. جَرّبوا التأمّلَ، أو القراءةَ، أو المشيَ في الطبيعة، أو أيّ نشاطٍ يُساعدُكم على الاسترخاءِ والهدوء. اسمحوا لخيالكم بالرقصِ، دعوهُ يُبدعُ و يُخلقُ، وتذكروا أنّ الصمتَ هو المُلهِمُ الأروع، وهو الذي يُنتجُ العجائبَ. شاركونا تجاربكم، وأفكاركم حولَ هذا الموضوعِ، فما هو سرّ إبداعكم؟ كيف تُطلقون العنان لخيالكم؟ فبمشاركةِ تجاربنا، نُلهمُ بعضنا بعضاً، ونُنمّي معاً روحَ الإبداعِ في أنفسنا.

Photo by Birmingham Museums Trust on Unsplash

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top