كم مرةٍ شعرتَ بالضياع، تائهًا بين توقعات الآخرين وأحلامكَ الخاصة؟ كم مرةً تساءلتَ عن هويتكَ الحقيقية، عن تلك الرغباتِ الخفيةِ التي تُخبّئها نفسك؟ نحن جميعًا، في لحظاتٍ من حياتنا، نُواجهُ هذا الشعورَ الغريبَ بالبحثِ عن الذاتِ، عن تلك الصورةِ الكاملةِ التي نرغبُ في رؤيتها والتي تُشكّلُ جوهرَ وجودنا. رحلةُ المعرفةِ الذاتيةِ ليستَ سهلةً، وليستَ خطًّا مستقيمًا، بل هيَ رحلةٌ مليئةٌ بالتحدياتِ والاكتشافاتِ المُذهلةِ. هيَ رحلةٌ نكتشفُ خلالها قوّاتناَ وضعفنا، مواهبناَ ومخاوفنا، كلّ ذلك ليُكوّنَ في النهاية صورةً واضحةً عن أنفسنا، صورةً تُمَكّننا من العيشِ حياةٍ أكثرَ وعيًا وسعادةً. ولكن، من أين نبدأ؟ وكيف نُضيءُ هذا الطريقَ المُعتمَ نحو اكتشاف الذات؟
كأنّكَ تُرَكّبُ أحجيةً من ضوءٍ، قطعةً قطعةً، لتُرى.
هذا الكلامُ يُجسّدُ بدقةٍ رحلةَ المعرفةِ الذاتيةِ. فكّرْ في أحجيةٍ من الضوء، قطعٌ صغيرةٌ ومتعددةُ الألوان، كلّ قطعةٍ تمثّلُ جانبًا من جوانبِ شخصيتكَ. بعضُها لامعٌ وجذّاب، يمثّلُ مواهبكَ وإنجازاتك، وبعضُها مُظلمٌ، يعكسُ مخاوفكَ ونقاطَ ضعفك. ولكنّ كلّ قطعةٍ، مهما كانتْ صغيرةً أو مُظلمةً، تُساهمُ في تكوينِ الصورةِ الكاملةِ. رحلةُ المعرفةِ الذاتيةِ هيَ تجميعُ هذهِ القطعِ ببطءٍ ودقةٍ، فهمُ كلّ قطعةٍ على حِدَةٍ، قبولُها كما هيَ، سواءً كانتْ مُشرقةً أم مُظلمةً. لا تستعجلْ هذهِ العمليةَ، فلا توجدُ إجابةٌ سريعةٌ أو وصفةٌ سحريةٌ تُساعدكَ على معرفةِ نفسكَ في لحظةٍ واحدةٍ.
فكر في يومياتك، في علاقاتكَ مع الآخرين، في ردودِ أفعالكَ على المواقفِ المختلفةِ. كلّ هذهِ التجاربِ تُشكّلُ “قطعَ الضوء” في أحجيتكَ. حاولْ أن تُحلّلَ سلوككَ، أن تُفهمَ دوافعكَ، أن تُميّزَ بينَ ما تُريدُهُ وما يُفرضُ عليكَ. استخدمْ التأمّلَ، الكتابةَ، أو حتى التحدثَ إلى شخصٍ تثقُ به، كوسائلٍ تساعدكَ على فهمِ نفسكَ بشكلٍ أفضل. تذكّرْ أنّهُ ليسَ من الضروريّ أنْ تكونَ الكمالَ، فالمهمّ هوَ أنْ تسعىَ باستمرارٍ لفهمِ نفسكَ، وأنْ تقبلَ نفسكَ بكلّ عيوبكَ ومميزاتك.
في الختام، رحلةُ المعرفةِ الذاتيةِ هيَ رحلةٌ مستمرّةٌ، رحلةٌ لا تنتهي. هيَ رحلةٌ تتطلّبُ الصبرَ، والإصرارَ، والرغبةَ الحقيقيةَ في الاكتشافِ. أُشجعُكَ على أنْ تُخصصَ وقتًا للتفكيرِ في نفسكَ، للتأملِ في تجاربكَ، وللبحثِ عن إجاباتٍ على أسئلةِ هويتكَ. شاركْ أفكاركَ مع الآخرين، واستفدْ من تجاربهم، فالتواصلُ مع نفسكَ ومع الآخرين يُساعدكَ على تجميعِ قطعِ أحجيتكَ من الضوء، لتُرىَ بوضوحٍ، لتعرف نفسكَ حقّ المعرفة. فمعرفةُ الذاتِ هيَ مفتاحُ السعادةِ والنجاحِ في الحياة.
Photo by Clark Van Der Beken on Unsplash