هل سبق وأن شعرتَ بالضياع؟ كأنّكَ تمشي في متاهةٍ لا نهاية لها، تتساءلُ عن هويتك، عن أهدافك، عن ما يجعلكَ سعيداً حقاً؟ نحنُ جميعاً نمرّ بهذه المرحلة في حياتنا، تلك اللحظات التي نشعر فيها بأنّنا نفتقدُ الاتصال الحقيقي بأنفسنا. قد نُحاولُ الهروبَ من هذه المشاعر من خلال الانشغال بأمورٍ خارجية، لكنّ الحقيقةَ أنّ السعادةَ الحقيقيةَ والهدوءَ النفسيّ لا يُمكنُ أن يُوجدا إلّا من خلال رحلةٍ عميقةٍ إلى أعماقِ ذاتنا، رحلةٍ من الاكتشاف والقبول. رحلةٌ تُشبهُ بناءَ شيءٍ ما، قطعةً قطعةً، ببطءٍ ودقةٍ، حتى نصلَ إلى فهمٍ أعمق وأشمل لأنفسنا. هذه الرحلةُ هي رحلةُ المعرفة الذاتية، وهي ليستَ وجهةً بل هي عمليةٌ مستمرةٌ تتطلّبُ الصبرَ والمثابرةَ.
كأنّكَ تُعيدُ بناءَ قصرٍ من رمالٍ، حبةً حبةً، لتكتشفَ مَنْ أنتَ.
هذا التشبيهُ البديعُ يُجسّدُ جوهرَ عمليةَ المعرفةِ الذاتيةِ ببراعةٍ. فكأنّ كلّ حبةِ رملٍ تمثّلُ تجربةً أو درساً أو ذكرىً من حياتنا. بعضُ هذه الحباتِ لامعٌ وجميلٌ، يمثّلُ لحظاتِ فرحٍ وسعادةٍ، و بعضُها الآخرُ قاتمٌ وخشِنٌ، يُمثّلُ الصعوباتَ والتحدياتَ التي واجهتنا. بناءُ هذا القصرِ يتطلّبُ منّا أن نُواجهَ كلّ حبةٍ رملٍ على حدة، أن نُحلّلَ تجاربنا، نتعلمَ من أخطائنا، ونحتفلُ بنجاحاتنا. لا يُمكنُ بناءُ قصرٍ متينٍ من الرمالِ إلّا بفهمِ كلِّ حبةٍ على حدة، وكذلك لا يُمكنُ الوصولُ إلى المعرفةِ الذاتيةِ إلّا من خلال فهمِ تجاربِنا الخاصةِ وتقبّلِ أنفسنا بكلّ جوانبها، سواء كانت إيجابيةً أم سلبيةً.
قد نجد أنفسنا نُعيدُ بناءَ أجزاءٍ من هذا القصرِ مراراً وتكراراً، فالتغيّرُ جزءٌ لا يتجزأُ من الحياةِ، ونحنُ نتغيّرُ وننموُ باستمرارٍ. ولكنّ هذه العمليةَ هي ما تُنمّي فِهمنا لأنفسنا، وتُقوّي صلّتنا بداخلنا. قد نكتشفُ مواهبَ لم نكنُ نعيها من قبل، أو نُغيّرُ من أولوياتنا، أو نُعيدُ تعريفَ علاقتنا بأنفسنا. كلّ ذلك جزءٌ من رحلةِ البناءِ، رحلةٌ تستحقُ العناءَ والوقتَ والجهدَ.
في الختام، رحلةُ المعرفةِ الذاتيةِ هي رحلةٌ لا نهايةَ لها، رحلةٌ تستحقُ أن نُخصِّصَ لها وقتاً وجهداً. أدعوكم اليومَ إلى البدءِ بتأمّلِ تجاربِكم الخاصة، كتابةِ أفكاركم، ومشاركةِ مشاعركم مع أنفسكم ومع الآخرين. تذكّروا أنّ بناءَ قصرِكم من الرمالِ هو عمليةٌ شخصيةٌ فريدةٌ، ولا يُمكنُ لأحدٍ أن يُخبركمَ بكيفيةِ بنائهِ إلّا أنتم. استمتعوا بهذه الرحلةِ، ففي نهايتها ستكتشفونَ أنفسكمَ بشكلٍ أعمقَ وأكثرَ وضوحاً.
Photo by omid armin on Unsplash