كم من مرة شعرنا بالضياع؟ كم من مرة تساءلنا عن هويتنا الحقيقية، عن رغباتنا، عن طموحاتنا؟ في زحمة الحياة اليومية، بين المسؤوليات والالتزامات، ننسى أحيانًا أن نخصص وقتًا لأنفسنا، لنغوص في أعماقنا، لنكتشف من نحن حقًا. نحن نركض في سباق الحياة، نحاول اللحاق بالقطار، وننسى أن ننظر إلى أنفسنا، إلى القوة التي بداخلنا، إلى الإمكانيات التي لم نكتشفها بعد. هل فكرت يومًا في بناء مشروع حياتك، مشروعك الشخصي الذي يعتمد على فهمك لنفسك، على معرفتك بقدراتك ومواطن ضعفك؟ رحلة الاكتشاف هذه، رحلة المعرفة الذاتية، ليست سهلة، لكنها بلا شك، رحلة تستحق العناء، رحلة تغير حياتك للأفضل.

كأنّكَ تُعيدُ بناءَ قلعةٍ من رملٍ، حبةً حبةً، لتكتشفَ مَنْ أنتَ.

هذه الجملة تحمل في طياتها حكمة عميقة. فرحلة اكتشاف الذات ليست رحلة سريعة، بل هي رحلة طويلة تتطلب الصبر والمثابرة. كل حبة رمل هنا تمثل تجربة، درسًا، قرارًا، شعورًا. بعض هذه الحبات يكون ناعماً، وبعضها خشناً، بعضها يُسهل عملية البناء، وبعضها الآخر يعيقها. ولكن مهما كانت طبيعة هذه الحبات، فإنها جميعها تساهم في تشكيل قلعة شخصيتك، قلعة هويتك. فكل تجربة تمر بها، سواءً كانت إيجابية أو سلبية، تُضيف حبة رمل إلى هذه القلعة، تُشكل ملامحها، وتُحدد هويتها. ربما تنهار أجزاء من القلعة خلال رحلتك، ولكن هذا لا يعني الفشل، بل يعني إعادة البناء، إعادة التفكير، إعادة التقييم. والأهم من ذلك كله، أنك في كل مرة تُعيد البناء، تُصبح أكثر وعيًا بنفسك، أكثر قدرة على فهم رغباتك واحتياجاتك.

تخيل مثلاً أنك تحاول تحديد مهنتك المستقبلية. ستحتاج إلى أن تبني “قلعتك” من خلال استكشاف مواهبك، اهتماماتك، قيمك، حتى تصل إلى الخيار الذي يناسبك. قد تُجرب بعض المسارات وتكتشف أنها ليست مناسبة لك، فتقرر إعادة بناء جزء من “قلعتك” بطريقة مختلفة. أو ربما تكتشف خلال رحلتك خوفًا ما، فستحتاج إلى أن تعالج هذا الخوف، إلى أن تبني أجزاء من “قلعتك” لتحمي نفسك من الانهيار.

إن رحلة المعرفة الذاتية هي رحلة مستمرة، رحلة لا تنتهي. ولكن كلما بنينا حبة رمل، كلما اقتربنا من فهم أنفسنا، من الوصول إلى جوهر شخصيتنا.

لذا، أدعوكم اليوم إلى البدء في رحلة بناء “قلعتكم” الخاصة. خصصوا وقتًا للتفكير في أنفسكم، في نقاط قوتكم وضعفكم، في أحلامكم وطموحاتكم. شاركوا أفكاركم مع من تثقون بهم، واستمعوا إلى آرائهم، واستفيدوا من تجارب الآخرين. فرحلة المعرفة الذاتية هي رحلة رائعة، رحلة تُغني حياتكم وتُضفي عليها معنىً أعمق. ابدأ اليوم، حبة رمل واحدة في كل يوم، وستُبهرك القلعة التي ستبنيها.

Photo by Joel Filipe on Unsplash