كم من مرة شعرتَ بوجعٍ في قلبك، ليس وجعك أنتَ بالضرورة، بل وجع من حولك؟ كم من مرة رأيتَ دموعاً تنهمرُ من عيونٍ غريبةٍ، فشعرتَ وكأنها دموعُك أنت؟ هذا الشعور، هذا الربط العميق بينك وبين الآخر، هو جوهر التعاطف. ليس مجرد إحساسٍ بالشفقة، بل هو غوصٌ في أعماق تجربة الآخر، فهمٌ لما يشعر به، تقبلٌ لمعاناته، حتى ولو لم تكن متشابهةً مع تجاربنا الخاصة. في زحمة حياتنا اليومية، بين ضغوط العمل، ومسؤوليات الأسرة، يُنسى أحياناً هذا الجانب المهمّ من كياننا الإنساني، لكنّ تأثيراتهِ تمتدّ لتشمل جميع جوانب حياتنا، من علاقاتنا الشخصية إلى مجتمعنا ككل. فالتعاطف ليس رفاهية، بل هو ضرورة لبناء علاقاتٍ صحيةٍ و مجتمعٍ متماسك.
كأنّها مرآةٌ تُعيدُ ضحكةً، لكنّها ضحكةٌ أخرى.
هذا القولُ يُجسّدُ جوهرَ التعاطف ببراعة. فالمرآة تعكس الصورة، لكنها لا تُعيدها كما هي تماماً. التعاطف يشبه المرآة التي تعكس مشاعر الآخرين، فرحتنا وحزنهم، لكن بإضافةِ بعدٍ جديد، بُعدِ فهمنا وتجربتنا الخاصة. ضحكةٌ تُعادُ عبر مرآة التعاطف تحمل معها فهمًا أعمق، فهي ليست مجرد تكرارٍ آلي، بل هي ضحكةٌ مُشارَكَةٌ، مُفهومةٌ، مُقدّرةٌ. تخيل نفسك تستمعُ لصديقٍ يروي لك قصة نجاحه، فرحتهُ تُعديك، لكنك لا تُعيد إعادةً حرفيةً لفرحته، بل تُضيفُ إليها فهمًا لِمَ هو سعيد، لما بذله من جهد، لما حققه من إنجاز. هذا هو التعاطف: التفهم، والمشاركة، والإضافة. كأنك لا تُعيد الضحكة فقط، بل تُضيفُ إليها بُعداً آخرَ من العمق.
لنأخذ مثالاً آخر، شخصٌ ما مرّ بتجربة صعبة، خسارة عزيز، أو فشلٌ مهنيّ. التعاطف هنا ليس مجرد قولِ “أنا آسف”، بل هو الاستماع بانتباه، فهم ألمِه، دون محاولةِ تقليلِ أهميتهِ أو تقديمِ حلولٍ جاهزة. هو إعطاؤه مساحةً لتعبير عن مشاعره، وإشعاره بأنه مفهومٌ ومُحاطٌ بالدعم. التعاطف يُشبه الشفاء، بلسمٌ يُخففُ من آلام النفس.
إذن، كيف نُنمّي قدرتنا على التعاطف؟ ببساطة، بإعطاء أنفسنا فرصةً للاستماع، للفهم، للتقبل. بالتفكير في وجهة نظر الآخر، بتخيل أنفسنا مكانه. بالتخلي عن الأحكام المسبقة، والتعصب. التعاطف ليسَ قوةً فطرية، بل هو مهارةٌ يُمكنُ تنميتها والتدرب عليها.
دعونا نتوقف لحظةً لنفكر في كيفية تعاطفنا مع من حولنا، وفي كيف يمكننا تحسين قدرتنا على التواصل مع مشاعرهم. شاركنا أفكارك و تجاربك في التعليقات أسفل هذا المقال، فالتعاطف رحلةٌ نخوضها معاً. فلنجعل من عالمنا مكاناً أكثرَ ودًّا، أكثرَ تفهمًا، أكثرَ تعاطفاً.
Photo by Ilanit Ohana on Unsplash