كم من مرةٍ شعرتَ برنينٍ غريبٍ في قلبك، رنينٌ يُخبرك بمعاناةِ شخصٍ ما، ولو لم ترهُ أو تعرفهُ؟ كم من مرةٍ وجدتَ نفسكَ تتمنى لو استطعتَ أن تخففَ عن أحدهم ثقلاً ما يحملهُ؟ هذا الشعور، هذا الاهتزازُ الداخليّ، هو جوهرُ التعاطف، ذلك الجسرُ الذي يربطُ بين قلوبنا، ويُعيدُ لنا إحساسنا بالبشريةِ المشتركة. في زحمةِ حياتنا اليوميةِ السريعة، غالباً ما ننسى أن نتوقفَ لنلقي نظرةً على من حولنا، لنُدركَ معاناتهم، لنُشاركهم همومهم، ولنُقدّمَ لهم يدَ العون. لكنَّ تذكّرَ هذه المشاعر الإنسانيةِ البسيطةِ، هو ما يُضفي معنىً حقيقياً على حياتنا، ويُغنيها بجمالٍ لا يُقاس. فالتعاطف ليس مجردَ إحساسٍ عابرٍ، بل هو فعلٌ إيجابيٌّ يُغيّرُ من واقعِ الآخرين، ويُغيّرُ من واقعنا أيضاً.
كأنّها مرآةٌ تُعيد ضحكةً ضائعةً، الشفقة.
هذه الكلماتُ تصفُ التعاطفَ بجمالٍ عجيب. فالشفقةُ هنا ليست مجردَ شفقةٍ سلبيةٍ، بل هي انعكاسٌ لِضحكةٍ ضائعةٍ، وهي كالمرآةِ التي تُعيدُ الحياةَ للروحِ المُنهكة. تخيلوا أنتم، شخصاً يُعاني من ألمٍ شديد، فجأةً يجد من يُفهمُهُ ويُشاركُهُ حزنه، فكأنما هذه الشفقةُ تُعيدُ إليهِ ضحكةً ضائعةً، تُعيدُ إليهِ الأملَ والحياة. فالتعاطفُ إذن ليس فقط مساعدةً ماديةً، بل هو دعمٌ معنويٌّ، هو استماعٌ حقيقيٌّ، هو إحساسٌ مُتبادلٌ بالبشرية. مثلاً، كلمةُ تشجيعٍ لطالبةٍ تُعاني من صعوباتٍ دراسيةٍ، أو مساعدةٌ لِشخصٍ كبيرٍ في السنّ، أو مجردُ إصغاءٍ لصديقٍ يُعاني من مشكلةٍ ما، كلّها أفعالٌ صغيرةٌ تُظهرُ مدى تعاطفنا وتُحدث فرقاً كبيراً في حياة الآخرين.
يُمكننا أن نُدرك قيمة التعاطف من خلال ممارسته اليومية، من خلال التأمل في مواقفنا مع الآخرين، والتساؤل عن مدى تعاطفنا معهم. هل قمنا بإعطاء الوقت الكافي للاستماع؟ هل فهمنا وجهات نظرهم؟ هل قدمنا الدعم اللازم؟ هذه الأسئلةُ تُساعدُنا على تطوير قدراتنا التعاطفية وإثراء علاقاتنا الاجتماعية.
في الختام، التعاطفُ ليس رفاهيةً، بل هو ضرورةٌ إنسانيةٌ، هو أساسٌ لبناء مجتمعٍ سليمٍ ومتماسك. دعونا نعمل كلّ ما في وسعنا لنُنمي قدرتنا على التعاطف، لنُصبح أكثر وعياً لِمعاناةِ من حولنا، ولنُشاركهم حياتهم بإحساسٍ عميقٍ بالمسؤولية والمحبة. فكّرْ في موقفٍ شعرتَ فيه بالتعاطف، شاركهُ مع الآخرين، فالتعاطفُ يُعدي، وحينها يُصبح العالمُ أكثر جمالاً وإنسانية.
Photo by christian ferrer on Unsplash