كم مرة وجدنا أنفسنا نراقب حياة الآخرين، نتأثر بقصصهم، نشاركهم أفراحهم وأحزانهم، ولو من بعيد؟ كم مرة شعَرنا بلسعة الألم في قلبنا عندما نسمع عن معاناة شخص ما، حتى وإن لم نكن نعرفه شخصياً؟ هذه المشاعر، هذه القدرة على فهم الآخر، على مشاركته مشاعره، هي جوهر التعاطف، ذلك الشعور الإنسانيّ الرائع الذي يُضيء دروبنا ويُجمّل حياتنا، ويُشكل أساس علاقاتنا الاجتماعية السليمة. في زحمة الحياة اليومية، بين ضغوط العمل والمسؤوليات العائلية، قد ننسى أحياناً أهمية التعاطف، قد نغرق في أنانيتنا وننسى أن هناك عوالم أخرى، مشاعر أخرى، تستحق منا ولو القليل من الاهتمام. لكن، ما دمنا نمتلك القليل من الحنان، سنُدرك قيمة هذا الشعور النبيل، وكيف يُمكنه أن يُغير حياتنا وحياة من حولنا للأفضل.

كأنّ التعاطفَ رقصٌ خفيفٌ على حافةِ الهاوية.

هذه المقولة تُلخّص بعمقٍ معنى التعاطف الحقيقي. فالتعاطف ليس مجرد مشاعر سطحية، بل هو مشاركة عميقة في مشاعر الآخرين، مشاركة تلامس حدود حساسيتنا الذاتية. “رقصٌ خفيفٌ” لأنه يتطلب دقةً وتوازنًا، فالتعاطف الحقيقي لا يعني الغرق في معاناة الآخر حتى ننسى أنفسنا، بل يعني أن نُقدم الدعم والمساندة دون أن نفقد توازنا الشخصي. أما “حافة الهاوية”، فهي تشير إلى الحساسية الشديدة لهذه العملية، إلى الخط الفاصل بين المُشاركة العاطفية والانغماس الكامل الذي قد يُؤدي إلى أذى نفسي. يتطلب التعاطف قدرةً على المُوازنة بين الشعور بالآخر وبحماية الذات.

فكر مثلاً في طبيبٍ يُعاني مع مرضاه، يشعر بألمهم، لكنّه لا يُغرق نفسه في حزنهم بل يستخدم تعاطفه لدفعه إلى تقديم أفضل رعاية ممكنة. أو في صديقٍ يُشارك صديقه حزنه دون أن يُفقدَ طاقته في مواجهة مشاكله الخاصة. التعاطفُ فنٌّ يتعلّم بالخبرة، ويتطلب وعياً ذاتياً قوياً. إنه يمثّل تحدياً يُجبرنا على الخروج من أنانيتنا وتبني منظور الآخر، فهم أسباب سلوكه، و احتياجاته، ولو اختلفت عن احتياجاتنا.

وختاماً، دعونا نتوقف لحظةً لنعكس على علاقتنا بالآخرين، وعلى مدى قدرتنا على التعاطف. هل نُمارس التعاطف بصورةٍ فعّالة؟ هل نُدرك أهمية هذا الشعور في بناء علاقاتٍ صحيةٍ و متينة؟ دعونا نشارك هذه الأفكار مع من نحب، لنشجع أنفسنا وبعضنا البعض على ممارسة هذا الرقص الخفيف على حافة الهاوية، رقص التعاطف الذي يجعل العالم مكاناً أجمل وأكثر إنسانية. فالتعاطف ليس مجرد شعور، بل هو أسلوب حياة يُثري حياتنا ويُغنيها.

Photo by Zak on Unsplash

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top