كم مرة شعرتَ بتلك الوخزة الخفيفة في قلبكِ عند رؤية شخصٍ يعاني؟ كم مرة وجدت نفسكَ تتمنى لو بإمكانك أن تخفف من أعباء شخصٍ ما، ولو قليلاً؟ هذه المشاعر، هذه الرغبة في فهم الآخر ومشاركته مشاعره، هي جوهر التعاطف. في حياتنا اليومية السريعة، غالباً ما ننسى أن نُبطئ، وأن ننظر إلى ما حولنا بعيونٍ مفتوحة، وأن نستمع بقلوبنا قبل عقولنا. نغرق في مشاغلنا اليومية، وننسى أن هناك عوالم أخرى، قصصاً أخرى، آلاماً وأفراحاً أخرى تستحق منّا ولو القليل من الاهتمام. التعاطف ليس مجرد كلمة جميلة، بل هو فعلٌ، هو موقفٌ، هو جسرٌ نبنيه نحو قلوبٍ أخرى، نصل عبره إلى فهمٍ أعمق للعالم من حولنا، ولأنفسنا أيضاً. إنه الأساس الذي تبنى عليه علاقاتٌ صحيةٌ قويةٌ، و المجتمعات المتماسكة. ولكن كيف نُتقن هذا الفنّ؟ وكيف نُدرك قوته؟

***

**فهمٌ كأجنحة فراشة، تحملُ الأسرار بهدوء.**

***

هذا القول الجميل يختصر جوهر التعاطف بشكلٍ رائع. فالتعاطف ليس فقط فهمَ الموقف الظاهري، بل هو فهمٌ أعمق، فهمٌ ينساب بهدوءٍ كأجنحة الفراشة، يحملُ أسرارَ الآخرين دون ضجيجٍ أو تسرع. تخيلوا مثلاً صديقاً يعاني من مشكلة عاطفية، التعاطف لا يعني فقط قول “أنا آسف لما تمر به”، بل يعني أن تستمعوا إليه بانتباه، أن تحاولوا أن تتخيلوا ما يشعر به، أن تضعوا أنفسكم مكانه، وأن تقبلوا مشاعره دون حكمٍ أو نقد. أن تفهموا الأسرار التي يحملها قلبه بهدوءٍ، دون محاولةٍ لإصلاحها أو تغييرها، فقط لتكونوا سنداً له في رحلته. هذا هو فهمٌ كأجنحة فراشة، رقيقٌ، دقيقٌ، يُلامس الروح بلطف.

مثال آخر، رؤية شخصٍ مُسنٍّ يكافح للوصول إلى مقعده على الحافلة، التعاطف هنا يُحركنا للمساعدة، وليس فقط لأننا ملزمون بذلك، بل لأننا نفهم معاناته، ونشعر بما يشعر به. التعاطف يبدأ بإدراكنا أن لكل شخصٍ قصته الخاصة، وأنه يحتاج إلى فهمٍ وإلى مساحةٍ آمنةٍ ليُشاركنا ما بداخله.

***

في الختام، التعاطف هو أكثر من مجرد شعور، إنه موقفٌ يُغيّر من حياتنا وحياة من حولنا. هو قدرةٌ على الاستماع بالتفهم، والفهم بالتعاطف، والرد بالحب. دعونا نأخذ بعض الوقت لنفكر في كيفية ممارسة التعاطف في حياتنا اليومية، ونشارك أفكارنا مع من نحب. دعونا نسعى لبناء عالمٍ يُقدّر التعاطف، عالمٍ أكثر رحمةً وتفهماً. فبقدر ما نمارس التعاطف، نُنمي روابطنا الاجتماعية، ونعزز سلامنا الداخلي، ونُشكل مجتمعاً أكثر عدلاً وإنسانية.

Photo by Shawn on Unsplash