كم مرة شعرتَ بالوحدة وسط حشد من الناس؟ كم مرة حاولتَ التعبير عن مشاعرك، فوجدت نفسك غارقًا في بحر من الوجوه الغريبة، لا تفهمك ولا تتفهم ما بداخلك؟ في زحام الحياة اليومية، وسط ضغوط العمل والدراسة والعلاقات الاجتماعية، قد نشعر أحيانًا بالانفصال، وكأننا نُبحر وحيدين في بحر من الوجوه، كلٌّ منهم غارقٌ في عالمه الخاص. نبحث عن اتصال حقيقي، عن شخص يفهم ما نمر به، يفهم دقائق مشاعرنا، ويقدر صراعاتنا الداخلية. التعاطف، هذه الكلمة البسيطة، تحمل في طياتها قوة هائلة قادرة على تغيير حياتنا، وحيات من حولنا، فبفضل التعاطف نستطيع بناء علاقات أعمق وأكثر دفئًا، ونشعر بأننا لسنا وحدنا في هذا العالم الواسع.

***

ضحكةٌ تائهةٌ في بحرٍ من الوجوه، وجدتْ مَنْ يفهمُها.

***

هذا البيت الشعريّ البسيط يحمل في طياته معنى عميقًا للغاية. يُجسّد ببراعة تجربة البحث عن الفهم والقبول. “ضحكةٌ تائهةٌ” تُمثّل مشاعرنا المُختلطة، الفرحة الممزوجة بالحزن، أو حتى الحزن المُخفيّ وراء قناع الابتسامة. “بحرٌ من الوجوه” يُشير إلى الضياع والوحدة في وسط حشد من الناس. ولكن، هناك أمل، هناك شخصٌ ما “وجدتْ مَنْ يفهمُها”، شخصٌ استطاع أن يقرأ ما وراء الضحكة، أن يشعر بما تخفيه، أن يتعاطف مع ما تمرّ به. هذا هو جوهر التعاطف: الخروج من عالمنا الخاص لفهم عالم الآخر، والسعي للتواصل معه على مستوى أعمق من المجرد الكلام.

تخيلوا، على سبيل المثال، زميلًا في العمل يعاني من ضغط شديد، يُظهر ابتسامةً خارجيةً بينما تخفي عيونه الحزن والإرهاق. التعاطف هنا ليس مجرد قول “لا تقلق”، بل هو ملاحظة تفاصيله، طرح أسئلة دقيقة دون إحراجه، وإظهار الاهتمام الحقيقي بمُشاعره. أو تخيلوا طفلًا يبكي في الشّارع، التعاطف هنا هو التقرب إليه بلطف، وفهم سبب بكائه، وتقديم المساعدة بقدر الإمكان. في كلا الحالتين، التعاطف ليس مجرد فعل، بل هو موقف، هو قدرةٌ على وضع أنفسنا مكان الآخرين، والشعور بما يشعرون به.

في ختام هذا المقال، دعونا نتذكر أن التعاطف هو أساس العلاقات الإنسانية الصحية. هو هديةٌ نقدمها لأنفسنا ولمن حولنا. أدعوكم اليوم إلى التأمل في حياتكم، وفي قدرتكم على التعاطف مع من حولكم. شاركونا أفكاركم وتجاربكم في تعليقاتكم. لنتعلم جميعًا كيف نكون أكثر تعاطفًا، ونبني عالمًا أكثر دفئًا وتفهمًا.

Photo by Annie Spratt on Unsplash

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top