كم مرة مررتَ بيومٍ شاقّ، شعرتَ فيه بالوحدةِ رغمَ وجودِ الآخرين حولك؟ كم مرة رأيتَ شخصاً يعاني بصمت، تخبّئ عيناهُ قصةً لا تُروى؟ التعاطف، يا أصدقائي، ليس مجردَ مفهومٍ فلسفيٍّ بعيدٍ عن حياتنا اليومية، بل هو جوهرُ العلاقات الإنسانيةِ السليمة، هو الجسرُ الذي يربطُ القلوبَ ويُذيبُ جدرانَ العزلةِ والوحدة. هو ذلك الشعورُ الدافئُ الذي ينبعُ من أعماقنا، رغبةً حقيقيةً في فهمِ الآخر، ومشاركتهِ مشاعره، سواءً كانتْ سعادةً أم حزناً. نحتاجُ إلى التعاطفِ في كلّ جوانب حياتنا، من علاقاتنا الشخصيةِ إلى تعاملاتنا المهنية، حتى في تفاعلاتنا مع المجتمعِ من حولنا. فهو ليسَ مجردُ ضعفٍ، بل قوةٌ تُمكِّنُنا من بناءِ علاقاتٍ أعمقَ وأكثرَ استدامةً. هو القدرة على رؤية العالم من منظور الآخر، والشعور بما يشعر به. ولكن كيف نُحسّنُ قدرتنا على التعاطف؟ دعونا نتأملُ في هذا معاً.
ضحكةٌ غريبةٌ، تعكسُ حزناً في عينٍ بعيدة.
هذه الجملةُ البسيطةُ تُلخّصُ جوهرَ التعاطفِ بعمقٍ مدهش. تخيّلوا شخصاً يضحكُ ضحكةً مصطنعةً، لكنّ عينيْهِ تُخبئانِ حزناً عميقاً. هذا هو التناقضُ الذي يُحدِثُهُ قناعُ القوةِ الذي نرتديهُ أحياناً، حاولوا أن تتجاوزوا الضحكةَ السطحية، وانظروا إلى العينين، إلى اللغةِ غيرِ المُلفوظةِ، إلى الإشاراتِ الدقيقةِ التي تُخبئها الوجوه. فغالباً ما تُخبرُنا هذه الإشاراتُ بالمشاعر الحقيقيةِ أكثرَ من الكلماتِ نفسها. التعاطفُ يتطلّبُ انتباهًا دقيقاً، صمتاً مُستمعاً، وقلباً متقبّلاً. فقد يكونُ الصمتُ أحياناً أفضلَ ردٍّ على المشاعرِ المُعقّدة. علينا أن نُدركَ أنّ كلّ شخصٍ يمرّ بتجاربَ خاصةٍ، وأنّ فهمَ هذه التجاربِ هو خطوةٌ أساسيةٌ في بناءِ التعاطف.
لذا، دعونا نُمارسُ التعاطفَ بكلّ وعيٍ، لنُراقبَ أكثر، لنستمعَ بقلوبنا قبل آذاننا، ولنُحاولَ فهمَ الخبراتِ التي تُشكّلُ شخصيةَ الآخر. ليسَ من السهولةِ دائماً التعاطفُ، ولكنّهُ يستحقُ المُحاولة، فإنّهُ يُغني حياتنا ويُقوّي علاقاتنا.
إنّ التعاطفَ هوَ أكثرُ من مجردِ كلماتٍ، هوَ فعلٌ يُمارسُ بِقلوبٍ متفتّحةٍ. لنتأملُ في معنى التعاطفِ في حياتنا، ولنُشاركَ أفكارنا معَ الآخرين. فلنُبنِ معاً عالماً أكثرَ تعاطفاً، عالماً أكثرَ رحمةً وإنسانيةً. ففي ذلك خيرُنا جميعاً.
Photo by Paul Volkmer on Unsplash