كم مرةً شعرتَ بتلك الوخزة الخفيفة في قلبك عندما ترى شخصًا يعاني؟ كم مرةً أردتَ أن تفهم ما يدور في ذهن صديقٍ حزين، أو تُخفف عن كاهل جارٍ مُثقل بالهموم؟ هذه المشاعر، هذه الرغبة في الفهم والمشاركة، هي جوهر التعاطف. ليست التعاطف مجرد كلمةٍ جميلة نرددها، بل هي سلوكٌ يوميٌّ يجعل حياتنا – و حياة الآخرين – أجمل وأكثر إنسانية. نصادفه في أبسط المواقف، في ابتسامةٍ مُوجهةٍ إلى الغريب، في كلماتٍ طيبةٍ تُخفف عن شخصٍ ما ثقلاً، أو حتى في الاستماع الصامتِ المُنتبهِ لشخصٍ يبوح بمشاعره. التعاطف ليس ضعفًا، بل هو قوةٌ عظيمة، وقدرةٌ على بناء جسورٍ من التفاهم والمحبة بين البشر. هو فنٌّ نتعلمه ونُتقنه كلّ يومٍ، فنٌّ يجعل العالم مكانًا أفضل. ولكن كيف نُتقنه؟ دعونا نستلهم بعض الحكمة من الطبيعة نفسها…

ضحكةٌ في عين عصفور، تفهمُ همسَ الشجر.

هذا المثلُ البديع يُجسّد جوهر التعاطف ببراعة. فالعصفور، بضحكته البريئة، يُمثل البساطة والشفافية في المشاعر. والشجر، بهمساته الهادئة، يُمثل الحكمة والصبر. القدرة على فهم همس الشجر – فهم مشاعر الآخرين – تكمن في تلك البساطة والشفافية التي يجسدها العصفور. أن نكون منفتحين على سماع الآخرين، أن نضع أنفسنا مكانهم، أن نستمع بقلوبنا لا بآذاننا فقط، هذا هو سرّ فهم “همس الشجر”.

فكّر في أمٍّ تحضن طفلها الباكي، فهي لا تُحاول فقط إسكات بكائه، بل تُحاول فهم سبب حزنه، تُشارك في مشاعره، وتُعزّيه. أو صديقٍ يستمع باهتمامٍ لشكاوى صديقه، لا ليُعطيه حلولًا جاهزة، بل ليُظهر له أنه موجودٌ وأنّه يفهم معاناته. في هذه المواقف، نرى ضحكةَ العصفور، تلك القدرة على التفاعل مع مشاعر الآخرين بصدق، وتلك القدرة على فهم “همس الشجر” – فهم ما يخفيه الصمت، ما وراء الكلمات. التعاطف هو أكثر من مجرد التعبير عن التعاطف، إنه فعلٌ حقيقيٌّ، هو الاستماع، الفهم، والمشاركة.

لذلك، دعونا نجعل من التعاطف سلوكًا يوميًا. دعونا نُمارس الاستماع الواعي، ونُحاول فهم وجهات نظر الآخرين، حتى وإن اختلفت عن وجهات نظرنا. دعونا نُظهر التعاطف من خلال أفعالنا، ليس فقط من خلال كلماتنا. فلنحاول أن نرى ضحكةَ العصفور في عيون الآخرين، ولنحاول أن نفهم همسَ الشجر في قلوبهم.

في الختام، التعاطف ليس رفاهية، بل هو ضرورةٌ لبناء علاقاتٍ قويةٍ وصحية. هو أساسُ مجتمعٍ متماسكٍ، ومكانٍ أفضل للجميع. أُشجعُكم على التفكير في أوقاتٍ شعرتُم فيها بالتعاطف مع الآخرين، وكيف أثّر ذلك على علاقتكم بهم وعلى مشاعركم أنفسكم. شاركونا أفكاركم، و دعونا معًا نبني عالماً أكثر تعاطفاً. لأن فهم “همس الشجر” يبدأ من فهم همس قلوبنا.

Photo by Kevin Mueller on Unsplash

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top