كم من مرة شعرتَ بوجعٍ غامضٍ في صدرك، ليس لسببٍ ملموسٍ، بل لشعورٍ غامرٍ ينبع من مأساةٍ أو فرحٍ مرّ بكِ شخصٌ تعرفه أو لا تعرفه؟ هذا الشعور، هذا الربط الغامض الذي يُسقطنا في أحضان الآخرين، هو جوهر التعاطف. في زحمة حياتنا اليومية، بين ضغوط العمل والدراسة والمسؤوليات الأسرية، ننسى أحيانًا أن نلتفت إلى من حولنا، إلى تلك القلوب التي تحمل همومًا وأحلامًا قد تختلف عن همومنا وأحلامنا. نغرق في أنفسنا، ننسى أن قوة الحياة تكمن في تبادل المشاعر، في إشعال شمعة أمل في قلوب الآخرين، في أن نكون جسورًا تربط بين قلوبنا وقلوبهم. التعاطف ليس مجرد كلمةٍ جميلة، بل هو فعلٌ إنسانيّ نبيل، هو سرّ السعادة الحقيقية، هو اللغة التي تفهمها القلوب قبل العقول.
—
عُيونٌ تُطيرُ فراشاتٍ، تفهمُ صمتَ الكونِ.
—
هذا البيت الشعريّ البديع يُجسّد لنا جوهر التعاطف بشكلٍ رائع. “عُيونٌ تُطيرُ فراشاتٍ”؛ فالتعاطف كالفراشة الرقيقة، تُحلّق خفيفًا وتلمس أعمق مشاعرنا. إنها نظرةٌ عميقة، تخترق القشور وتُدرك ما يتجاوز الكلام. “تفهمُ صمتَ الكونِ”؛ فالتعاطف يُمكننا من فهم ما لا يُقال، من استشعار الألم والفرح حتى لو لم يُعبّر عنه. فهو قدرةٌ على الاستماع بكلّ جوارحنا، ليس بأذاننا فحسب، بل بقلوبنا. تخيّلوا مثلاً، طفلًا يبكي بصمتٍ، أو شخصًا يكافح مرضًا صعبًا، تعاطفنا معهم لن يُترجم بكلماتٍ فحسب، بل بإيماءاتٍ، بإصغاءٍ متفهم، بإلقاء يدٍ داعمة. هذا هو التعاطف في أبهى صوره، لغةٌ فريدةٌ تتجاوز الحواجز اللغوية والثقافية.
—
في الختام، التعاطف ليس رفاهية، بل ضرورةٌ حياتية. إنها قوةٌ تحرك العالم، وتُبني الجسور بين القلوب. دعونا نخصص بعض وقتنا للتفكير في كيفية ممارسة التعاطف في حياتنا اليومية، بدءًا من أُسرنا وصولاً إلى مجتمعنا. شاركوا مشاركاتكم، وأفكاركم، وتجاربكم في التعاطف، دعونا نُشعل شمعة أملٍ في هذا العالم بإشاعة روح التعاطف بيننا. فلنجعل عيوننا تُطيرُ الفراشات، ونفهمَ صمتَ الكون، ونُشعِرَ الآخرين بأنهم ليسوا وحدَهم.
Photo by Pawel Czerwinski on Unsplash