كم مرة شعرت بأنك تفهم شخصًا ما تمامًا دون الحاجة إلى سماع كلمة واحدة منه؟ ربما رأيت الحزن في عينيه، أو الفرح المتلألئ على وجهه، أو حتى القلق الذي يرتسم على تعابير جسده. في لحظات كهذه، نتجاوز الكلام ونصل إلى مستوى أعمق من التواصل، مستوى يعتمد على الفهم العميق والرؤية الحادة لما يدور في قلوب الآخرين. هذا هو جوهر التعاطف، القدرة على وضع نفسك مكان الآخر وفهم مشاعره، حتى لو لم يُعبّر عنها صراحةً. إنه فنٌّ رقيق، يتطلب ممارسة مستمرة، ولكنه يُثري حياتنا بشكلٍ لا يُصدق، ويُعزّز روابطنا مع من حولنا. يُمكننا أن نجد التعاطف في أبسط المواقف اليومية، من الاستماع المُتَفَهّم لصديقٍ مُتَضايق، إلى مساعدة شخصٍ يحتاج إلى يدٍ مُساعِدة. فالتعاطف ليس مجرد شعور، بل هو سلوكٌ وطريقة حياة تُغيّر من نظرتنا للعالم ومن علاقاتنا به.
أَشْجَارٌ تَتَناوَلُ أَيدِيَهَا فِي الصَّمْتِ، تَفْهَمُ بِدُونِ كَلامٍ.
هذا البيت الشعري الجميل يُجسّد ببراعةٍ فكرة التعاطف الصامت. الأشجار، في صمتها، تتواصل فيما بينها، تفهم احتياجات بعضها البعض دون الحاجة إلى كلمات. هذه الصورة تُشبه التواصل العميق الذي يمكن أن نصل إليه مع الآخرين عندما نُحسن الاستماع، عندما نُلاحظ التفاصيل الصغيرة، عندما نُحاول أن نرى العالم من خلال أعينهم. تخيلوا، مثلاً، شخصًا يمرّ بفترة صعبة، لا يُريد التحدث عما يُعانيه، لكن حركاته البطيئة ونظراته الحزينة تُخبرنا بكل شيء. هنا يكمن دور التعاطف، في فهم هذا الصمت، في تقدير ما لا يُقال، وفي تقديم الدعم اللازم دون فرض أنفسنا أو إلحاحنا على الكلام. الاستماع الفعال، ملاحظة لغة الجسد، وحتى مجرد الجلوس بجانب الشخص دون التحدث، كلها طرق لتجسيد التعاطف الذي يتخطى حاجز الكلمات.
ختامًا، رحلة التعاطف رحلةٌ مُستمرّة، تتطلب منا بذل الجهد لِنفهم الآخرين بعمقٍ، حتى في صمتهم. فلنُمارس التعاطف في حياتنا اليومية، ولنُحاول فهم الصمت، كما تفعل الأشجار، ليُصبح عالمنا مكاناً أكثر دفئًا وتفهماً. تأمّلوا في هذه الكلمات، شاركوها مع من تُحبون، واستثمروا وقتاً في تطوير قدرة التعاطف لديكم. فهو ليس مجرد فضيلة، بل هو أساس علاقات إنسانية صحية وسعيدة. فهم الصمت هو بداية رحلة التعاطف، والتعاطف هو أساس بناء عالم أفضل.
Photo by Holly Mandarich on Unsplash