كم مرة وجدت نفسكَ مُحاطاً بأشخاص يعانون، مواقفهم تُثير فيكَ شعوراً بالقلق أو الحزن، لكنكَ تشعرُ بعجزٍ عن تقديم المساعدة الحقيقية؟ ربما مررتَ بيومٍ سيء، شعرتَ فيهِ بأنّ العالم كله ضدي، وتمنيتَ لو وجدتَ من يفهمُ ما تمرُّ به، من يُشاركُكَ همومكَ ويُقدّمُ لكَ كلمةً طيبةً، نظرةً داعمةً؟ هذه المشاعر، هذه الرغبة في فهم الآخرين ومشاركتهم أحاسيسهم، هي جوهر التعاطف. إنه ليس مجرد شعور بالشفقة، بل هو قدرةٌ على الوقوف مكان الآخر، فهم ألمهِ ومشاعرهِ بشكلٍ عميق، والسعي للتخفيفِ عنهِ بقدر الإمكان. في زحمة حياتنا اليومية، غالباً ما ننسى أهمية التعاطف، ونركزُ على أنفسنا وأهدافنا فقط، لكنّ رحلةَ الحياةِ أجملُ وأسهلُ عندما نُشاركُ الآخرين رحلتهم.
عصفورٌ يتعلم الطيران من رياحٍ هادئة.
هذا المثلُ الجميلُ يُجسّدُ ببراعةٍ مفهومَ التعاطف. فالعصفورُ، الذي يُمثّلُ شخصيتنا، لا يتعلم الطيران بالتعرضِ لعواصفٍ قويةٍ تُسقطهُ وتُعيقه، بل يتعلمُ من الرياحِ الهادئة، من التجاربِ المُتقنةِ والهادئةِ. فالتعاطفُ ليسَ مُجردَ انفعالٍ عاطفيٍّ، بل هو فنٌّ يتعلمُ بالتدريبِ والصبر. علينا أن نتعلم الاستماع بانتباهٍ، فهم لغة الجسد، قراءة بين السطور، والتواصل بصدقٍ ورفق. تخيلوا أنكم تتعاملون مع شخصٍ مُحبطٍ، لا تُحاولوا إصلاحهِ أو إعطاؤهُ نصائحَ، بل استمعوا لهُ بتركيزٍ، دَعوا شعورهُ يتدفق، وأظهروا له أنكم تفهمون ما يمرُّ به. هذه هي الرياح الهادئة التي تُمكنه من “الطيران”، من تجاوز محنته.
في عالمٍ مُتسارعٍ، يُصبحُ التعاطفُ أكثرَ أهميةً من أيّ وقتٍ مضى. فهو أساسُ العلاقاتِ الإيجابيةِ، وحجرُ الزاويةِ في بناءِ مجتمعٍ متماسكٍ و متعاون. فالقدرةُ على فهمِ وجهاتِ نظرِ الآخرين، وإظهارِ الاحترامِ لآرائهم، حتى لو اختلفتْ عنْ آرائنا، يُسهمُ في بناءِ جسورِ التفاهمِ والثقة.
لذا، دعونا نُعيدُ التركيزَ على التعاطف، ونُمارسهُ في حياتنا اليومية. انعكسوا على مواقفكم مع الآخرين، هل كنتم متعاطفين؟ هل استمعتم بصدق؟ شاركونا أفكاركم وتجاربكم، فلنتعلم معاً كيف نُصبحُ أكثرَ تعاطفاً، ونُسهمُ في بناءِ عالمٍ أكثرَ إنسانيةً ورحمةً، عالمٍ نطيرُ فيهِ بروحٍ هادئةٍ وسالمة.
Photo by Clay Banks on Unsplash