كم من مرة وجدنا أنفسنا في مواقف تحتاج إلى أكثر من مجرد حلول عملية؟ كم مرة شعرنا بأنّ شخصًا ما يحتاج إلى أكثر من مجرد نصيحة، يحتاج إلى أن يُفهم، أن يُسمع، أن يُشعِر بأنه ليس وحيداً في مشاعره؟ هذا هو جوهر التعاطف، ذلك الفنّ الرقيق الذي يرتقي بنا فوق حدود الذاتية نحو عالم من الفهم المشترك والإحساس المتبادل. في حياتنا اليومية، نتعامل مع مواقف متنوعة تتطلب منا قدرةً على فهم مشاعر الآخرين، سواءً كانوا أصدقاء، أفراد عائلة، زملاء عمل، أو حتى غرباء. من الأساسيات التي نحتاجها لبناء علاقاتٍ إنسانيةٍ صحية هي قدرة الاستماع الفعلي، ليس فقط بسماع الكلمات، بل بالتعمّق في ما خلفها من مشاعر وأحاسيس. فالتعاطف ليس مجرد شعور بالشفقة، بل هو رحلة إلى عالم الآخر، رحلةٌ تحتاج إلى القلب والعقل معاً.

عصفورٌ يرقصُ على سلكٍ رقيق، يفهمُ همسَ الريح.

هذا البيت الشعريّ البديع يمثل جوهر التعاطف بصورة جميلة. العصفور يرقص على سلكٍ رقيق، متزنٌ مع كل نسمة ريح. هو يُدرك حساسية وضعه، ويتعامل مع بيئته بحرصٍ ودقة. كذلك المتعاطف، يُدرك حساسية موقف الآخر، ويتعامل مع مشاعره برفقٍ وفهمٍ عميق. هو يستمع إلى “همس الريح”، إلى الألم والفرح والخوف والأمل المختبئين خلف كلمات الآخر. ليس مجرد سماع، بل فهمٌ عميقٌ للمشاعر والأحاسيس المُخفية. مثلما يتوازن العصفور على السلك الرقيق، يتوازن المتعاطف بين حساسيته لآلام الآخر وقدرته على تقديم الدعم والمساعدة بدون إغراق أو تجاوز حدود الخصوصية.

تخيلوا مثلاً صديقاً يعاني من ضغوط العمل، بدلاً من تقديم نصائح جاهزة، التعاطف الحقيقي يكون بالاستماع الفعلي لشكواه، والإقرار بمشاعره، وتقديم الكلمات التي تُشعره بأن ما يشعر به مُبرّر ومفهوم. أو شخصٌ مُصابٌ بمرضٍ ما، فالتعاطف معه ليس مجرد زيارةٍ سريعة، بل هو بذل الجهد لفهم معاناته، والوقوف بجانبه دون إصدار أحكامٍ أو تقليلٍ من ألمه.

في النهاية، التعاطف ليس موهبةً فطريةً فقط، بل هو مهارةٌ يمكن تعلمها وتطويرها. دعونا نحرص على تنمية قدرتنا على فهم مشاعر الآخرين، والاستماع إليهم بقلوبٍ متفتحة. ففي التعاطف يكمن سرّ بناء علاقاتٍ إنسانيةٍ أكثر سلاماً وإيجابية. تأمّلوا في هذا البيت الشعريّ، واكتبوا عن مواقف شخّصتُم فيها التعاطف، واشاركوها مع الآخرين. فلنُنشئ معاً عالمًا أكثر تعاطفًا.

Photo by Wout Vanacker on Unsplash

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top