كم من مرة شعرتَ بأنّ هناك من حولك يحتاجُ إلى من يستمعُ إليه، إلى كتفٍ يبكي عليه، إلى قلبٍ يفهمُ صمته؟ في زحمة الحياة اليومية، بين ضغوط العمل والمسؤوليات العائلية، غالباً ما ننسى أهمية الاستماع الحقيقي، ذلك الاستماع الذي يتخطى مجرد سماع الكلمات ليصل إلى فهم المشاعر والأحاسيس الكامنة خلفها. نحن محاطون بأشخاصٍ يعانون صمتاً مؤلماً، صمتاً قد يخفيه ابتسامةٌ مصطنعة أو انشغالٌ مزيف. ولكن، خلف هذه الأقنعة، توجد قصصٌ تحتاجُ إلى أن تُسمع، إلى أن تُفهم، إلى أن تُعانقها يدٌ حانيةٌ من التعاطف. التعاطف ليس مجرد كلمةٍ جميلة، بل هو فعلٌ إنسانيٌّ نبيلٌ يبني الجسور بين القلوب ويرمم ما تهدمه الحياة من جروح. إنه فنٌّ يُتقَنُ بالتمرين والممارسة، وهديةٌ تُقدّمُ دون تردد.
—
عصفورٌ يُغَردُ سرًّا في أذنِ شجرةٍ صامتة.
—
هذا البيت الشعريّ البسيطُ والحكيمُ يصفُ جوهرَ التعاطفِ بدقةٍ مُذهلة. العصفورُ هنا هو رمزُ من يحتاجُ إلى التعبير، إلى تفريغِ ما بداخله من مشاعر. والشجرةُ الصامتةُ هي رمزُ المستمعِ المتعاطف، ذلك الذي يمتلكُ القدرةَ على الاستماع دونَ إصدارِ أحكامٍ، دونَ تسرّعٍ في تقديمِ الحلول، بل بفهمٍ عميقٍ لما يمرّ به الآخر. فالتعاطف ليسَ تقديمَ نصائحٍ جاهزة، بل هو المشاركةُ في الشعور، فهمُ معاناةِ الآخر، والوقوفُ إلى جانبه دونَ انتظارِ أيّ شيءٍ في المقابل. تخيلوا مثلاً صديقًا يعاني من فقدان عزيز، التعاطف هنا ليسَ إخبارهُ بـ “أن ينسى” أو “أن يتخطى” ، بل هو الجلوسُ بجانبهِ، الاستماعُ إلى حزنه، مشاركةُ دموعه، وإخباره بأنك موجودٌ من أجله. التعاطف ليسَ حلّاً سحريّاً، لكنه دعمٌ معنويٌّ قويٌّ يساهمُ في تخفيفِ الأعباءِ النفسيةِ وتحقيقِ التوازن.
—
في الختام، دعونا نتذكر دائماً أنّ القدرة على التعاطف هي أحد أهمّ سماتِ الإنسانية. فلنجعل من أنفسنا “أشجارًا صامتة” نستمعُ إلى “أصوات العصافير” من حولنا. أخذُ لحظةٍ للتفكيرِ في من يحتاجُ إلى التعاطفِ في حياتنا سيكونُ خطوةً أولىً نحوَ بناءِ علاقاتٍ أعمقَ وأكثرَ إنسانيةً. شاركونا أفكاركم حول هذا الموضوع، فالتعاطفُ لغةٌ عالميةٌ تُفهَمُ دونَ ترجمة. لنتعلّمُ سماعَ همسِ القلوب، ونُجيبَ عليهِ بكلّ رحمةٍ وتفهّم.
Photo by Jocelyn Wong on Unsplash