كم مرةً وجدتم أنفسكم في مواقفٍ لا تفهمون فيها تصرفات الآخرين؟ ربما كان زميلٌ لكم في العمل يبدو متوتراً بشكلٍ مفرط، أو صديقٌ يمرُّ بمرحلةٍ صعبةٍ لا يستطيع التعبير عنها بشكلٍ واضح. في تلك اللحظات، يظهر بوضوحٍ مدى أهمية التعاطف، ذلك الجسر الذي يربط بين القلوب، والذي يُمكّننا من فهم الآخرين، سواءً كانوا قريبين أو بعيدين عنا. ليس التعاطف مجرد شعورٍ عابر، بل هو موقفٌ من الحياة، نهجٌ نختاره لنبني عليه علاقاتنا الإنسانية، ونُرسّخ فيه روابطَ المحبة والتواصل. إنه فنٌٌّ رفيعٌ يتطلبُ منا التفكيرَ خارجَ إطارِ أنفسنا، والانفتاحَ على تجارب الآخرين، والبحث عن المعنى وراء السلوكيات التي قد تبدو غريبةً أو مُربكةً في بعض الأحيان. التعاطف هو مفتاحٌ لإقامة علاقاتٍ صحيةٍ ومُثمرةٍ، يُساعدنا على بناء مجتمعٍ أكثرَ انسجاماً وتفاهماً.
***
عصفورٌ صغيرٌ يحملُ بحرًا من الفهم.
***
يُشبه هذا القول الجميلُ التعاطفَ في جوهره. فالعصفور، بصغر حجمه، يُمكنه أن يحملَ بحرًا من الفهم، تماماً كما يُمكن لشخصٍ بسيطٍ أن يتمتّعَ بقدرةٍ هائلةٍ على فهم مشاعر الآخرين وتجاربهم. فالتعاطف ليس مقتصراً على الأفراد ذوي الخبرات الكبيرة أو المراكز الرفيعة. بل هو قدرةٌ كامنةٌ فينا جميعاً، تحتاج فقط إلى التنمية والصقل. تخيّلوا مثلاً طفلاً صغيراً يبكي، فإنّ مجرد إظهار التفهم والاطمئنان له قد يكون أكثرَ فاعليةً من أيّ كلماتٍ عزاءٍ أخرى. أو شخصٌ كبيرٌ في العمر يشعر بالوحدة، فإنّ مكالمةً هاتفيةً بسيطةً أو زيارةٌ قصيرةٌ قد تُحدثُ فرقاً كبيراً. هنا يكمنُ سرُّ “البحرِ من الفهم” المُختزنِ في قلبٍ متعاطف. فهو لا يحتاجُ إلى جهدٍ ضخم، بل إلى نيةٍ صادقةٍ ورغبةٍ حقيقيةٍ في فهمِ الآخر.
***
في الختام، التعاطف ليس مجردَ كلمةٍ جميلة، بل هو أسلوبٌ حياةٍ يُغيّرُ من نظرتنا للآخرين، ويُنمّي علاقاتنا ويُقوّيها. أدعوكم إلى التأملِ في هذا المفهومِ العميق، والبحثِ عن طرقٍ للتعبيرِ عن تعاطفكم مع من حولكم. شاركوا أفكاركم وتجاربكم معنا، فربما يكونُ ما تُشاركونه بمثابةِ “بحرٍ من الفهم” لآخرين. فلنجعل من عالمنا مكاناً أكثرَ دفئاً وإنسانيةً، بفضلِ قلبٍ متعاطفٍ.
Photo by Melyna Valle on Unsplash