كم مرةً شعرتَ بأنّكَ محاطٌ بأشخاصٍ، لكنّكَ تشعرُ بالوحدة؟ كم مرّةً رأيتَ شخصًا يعاني، ولم تستطعَ فهمَ معاناتهُ تمامًا؟ هنا تكمنُ أهميةُ التعاطف، تلكَ القدرةُ السحريةُ على فهمِ مشاعر الآخرين، والتواصل معهم على مستوى أعمق من مجرد الكلمات. ليسَ التعاطفُ مجردَ إظهارِ الشفقةِ أو التّعاطفُ السّطحي، بل هوَ غوصٌ في أعماقِ تجاربِ الآخرين، محاولةٌ لفهمِ رؤيتهم للعالم، حتى وإن اختلفتْ عن رؤيتنا. هوَ أن تستمعَ بقلبكَ قبلَ أذنيكَ، وأن تُدركَ أنّ وراءَ كلِّ ابتسامةٍ قدْ يكمنُ حزنٌ عميق، ووراءَ كلِّ صمتٍ قدْ تكمنُ قصةٌ تستحقُّ الاستماعَ والفهم. في حياتنا اليومية، نتعاملُ مع مواقفَ متعددةٍ تتطلبُ منّا ممارسةَ التعاطف، سواءً مع الأصدقاءِ أو العائلةِ أو زملاءِ العملِ، فالتعاطفُ هوَ أساسُ بناءِ علاقاتٍ قويةٍ وصحيةٍ، هوَ لبنةُ بناءِ مجتمعٍ متماسكٍ ومتفهم.
—
عصفورٌ في قفصٍ من ضوءٍ، يفهمُ صمتَ القمر.
—
هذا البيتُ الشعريّ الرائعُ يُجسّدُ جوهرَ التعاطفِ بشكلٍ بديع. العصفورُ، معقودٌ في قفصٍ من الضوء، رمزٌ لِشخصٍ يعيشُ تجربةً فريدةً، محاطٌ بالجمالِ الظاهريّ (الضوء)، لكنّهُ محصورٌ ومعزولٌ في ذاتِ الوقت. فهمُهُ لصمتِ القمر، يُشيرُ إلى قدرتهِ على فهمِ الأشياءِ التي لا تُرى بالعينِ المجردة، إلى فهمِ الألمِ والحزنِ الخفيّينِ. وكما يفهمُ العصفورُ صمتَ القمر، يجبُ علينا نحن أيضاً أن نُتقنَ فنّ الاستماعِ إلى صمتِ الآخرين، أن نبحثَ عن المشاعرِ والأحاسيسِ التي لا تُعبّرُ عنها الكلمات، وأن نُحاولَ فهمَ ما يكمنُ خلفَ الأقنعةِ التي يرتديها الآخرون. فالتعاطفُ يتطلبُ جهداً، يتطلبُ حساسيةً ووعياً بأعماقِ النفوس. أمثلةٌ كثيرةٌ تُبرزُ أهميةَ التعاطف، من مساندةِ صديقٍ يمرّ بمرحلةٍ صعبةٍ، إلى التعاملِ مع شخصٍ يختلفُ عنا في رأيهِ أو معتقداتهِ، فالتعاطفُ لا يعني الموافقة، بل يعني الفهمَ والاحترامَ.
—
في الختام، يُعدّ التعاطفُ من أهمّ الخصائصِ الإنسانية، وهوَ أساسٌ لبناءِ علاقاتٍ إيجابيةٍ ومجتمعٍ متماسك. أدعوكم إلى التفكيرِ في مواقفَ عشتموها تطلبتْ منكم التعاطف، وكيف تفاعلتم معها. شاركوا أفكاركم وتجاربكم معنا، فلنجعل من عالمنا مكاناً أكثرَ تعاطفاً وفهماً. فلنتعلم جميعاً أن نكونَ “عصافيرَ” تُدركُ صمتَ القمرِ في قلوبِ الآخرين.
Photo by Zac Ong on Unsplash