كم مرة شعرتَ بالضياع؟ كم مرة سألت نفسك: “من أنا حقاً؟” ما هي رغباتي الحقيقية؟ أهدافي؟ قيمِي؟ في زحمة الحياة اليومية، بين العمل والدراسة والعلاقات الاجتماعية، يُسهل علينا أن ننسى أنفسنا، أن نضيع في دوامة الواجبات والمسؤوليات، حتى نجد أنفسنا نعيش حياة ليست بالضرورة هي الحياة التي نرغب بها. نشعر وكأننا نُجرّ وراء تيارٍ قوي، دون أن نملك زمام الأمور، دون أن نفهم حتى وجهتنا. هذه ليست حياة مُرضية، أليس كذلك؟ رحلة الاكتشاف الذاتي هي بمثابة خريطة تُرشدنا لإيجاد أنفسنا الحقيقية، للوصول إلى سماءٍ واسعة بعد أن كنا محصورين في أقفاصٍ ضيقة من صنع أيدينا. هي رحلةٌ شاقة، ولكنها في النهاية، هي الرحلة الأكثر أهمية في حياتنا.
عصفورٌ في قفصٍ من عظام، يتعلم الطيران من الداخل.
هذا القول المُلهم يُلخّص جوهر رحلة المعرفة الذاتية بشكلٍ مُذهل. العصفور هنا يمثل “أنا”نا، وقفص العظام يمثل قيودنا الذاتية، خوفنا، شكوكنا، ومعتقداتنا المُحدودة عن أنفسنا. لكن ما يميّز هذا العصفور، هو أنه لا ينتظر أن يُحرره أحد من قفصه. بل يتعلم الطيران من الداخل، يُغيّر من طبيعته الداخلية، قوّته، وإرادته. هذا هو جوهر الاكتشاف الذاتي: أن نعمل من داخلنا على تحطيم الحواجز التي تمنعنا من تحقيق إمكانياتنا الكاملة.
كيف نفعل ذلك؟ بالتأمل، بالتفكير النقدي في معتقداتنا، بالتعرف على نقاط قوتنا ونقاط ضعفنا، بالتعامل مع مخاوفنا، وبوضع أهدافٍ واضحة. بالتجرّب، بممارسة أنشطة جديدة، بالتواصل مع أنفسنا بصدقٍ وشفافية. فليس من السهل مواجهة أنفسنا، التعرف على عيوبنا، ولكن هذه المواجهة هي أساس النمو الشخصي الحقيقي. تخيّلوا مثلاً شخصاً يُعاني من الخجل الشديد، يُمكنه أن يتعلم التغلب على هذا الخجل من خلال ممارسة التحدث أمام الآخرين تدريجياً، من خلال بناء ثقته بنفسه بطريقةٍ إيجابية، من الداخل. لن يُحرره أحد من قفص خجله، إلا هو نفسه.
في الختام، رحلة المعرفة الذاتية هي رحلةٌ إلى الأعماق، رحلةٌ لإكتشاف كنوزٍ خفية تُخفيها أرواحنا. إنها رحلةٌ لا تنتهي، بل تتطور وتتعمّق مع مرور الوقت. أدعوكم اليوم للتأمل في أنفسكم، للسؤال عن رغباتكم وأحلامكم، ولمشاركة تفكيركم مع الآخرين. فبالتواصل والتأمل، سنتمكن من كسر قيودنا، وسنطير إلى سماءٍ واسعة من الإمكانيات والنجاحات. لا تنتظروا أن يُحررَكم أحدٌ من قفصكم، تعلّموا الطيران من الداخل.
Photo by The New York Public Library on Unsplash