كم من مرة شعرتَ بأنك عالقٌ، محبوسٌ في نمطٍ من التفكير أو سلوكٍ لا يُرضيك؟ كم من مرة واجهتَ نفسكَ في المرآة وشعرتَ بأنكَ شخصٌ غريبٌ، مجهولٌ حتى لنفسك؟ نحن جميعًا نمرُّ بهذه اللحظات، تلك اللحظات التي تُشعِرُنا بأننا بعيدون عن فهم أنفسنا حقّ الفهم، بعيدون عن جوهرنا الحقيقي. رحلةُ المعرفة الذاتية ليستَ مجردَ تقنيةٍ نفسيةٍ أو نصائحٍ مُتفرقة، بل هيَ رحلةٌ عميقةٌ إلى أعماقِ النفسِ، رحلةٌ تُكشفُ فيها طبقاتُ الشخصيةِ كأقسامِ بصلةٍ، حتى نصلَ إلى قلبنا، إلى جوهر وجودنا. رحلةٌ تحتاجُ إلى جرأةٍ، إلى صبرٍ، وإلى الكثير من الشجاعةِ لمواجهةِ أنفسنا بصدقٍ، بغضّ النظر عن مدى قسوةِ الحقيقة. إنها رحلةٌ تستحقُّ كلَ عناء.

—

عصفورٌ في قفصٍ من عظام، يغردُ سرّهُ.

—

هذا البيتُ الشعريّ يُجسّدُ بعمقٍ معنى رحلة المعرفة الذاتية. العصفورُ هنا هوَ أنتَ، وقفصُ العظامِ هوَ قيودُ معتقداتنا، خوفنا، وتجاربنا السلبية التي تُقيّدُ حريتنا الداخلية. يُغردُ سرّهُ، أي يُعبّرُ عن حقيقته، عن ذاته الحقيقية، رغمَ سجنه. فقد نكون محاطين بسلسلة من القيود التي تُفرضها علينا ظروفنا، بيئتنا، أو حتى أفكارنا المسبقة، إلا أن داخلنا، هناك دائمًا “عصفور” يريد أن يغرد، صوتٌ داخليّ يتوقُ إلى التعبير عن نفسه. قد يكون هذا الصوتُ خافتًا في البداية، مختبئًا خلفَ جدرانِ الخوفِ والتردد، لكنّه موجود. والمعرفة الذاتية هي تلك العمليةُ التي تُساعدنا على فتح هذا القفص، على تحرير “العصفور” من أسرِه. تُساعدنا على فهم خوفنا، تقبل قصورنا، والاستماع إلى صوتنا الداخلي، حتى نتمكن من التعبير عن أنفسنا بحرية. ربما نحتاج لتغيير عاداتنا، أو مواجهة صراعاتنا الداخلية، أو حتى البحث عن مساعدة محترف، لكنّ الخطوة الأولى هي دائماً الاعتراف بوجود “العصفور” داخلنا.

—

في الختام، رحلةُ المعرفة الذاتية ليستَ هدفًا بل هيَ مسيرةٌ مستمرةٌ. إنها رحلةُ اكتشافٍ لأنفسنا بشكلٍ متواصل، رحلةٌ تتطلّبُ الصبرَ والإصرارَ والشجاعةَ لمواجهةِ الواقعِ بصدق. تذكّرُوا دائماً “العصفورَ” داخلَكم، وأنّ صوتهُ يُريدُ أن يُسمع. خذوا وقتًا للتفكير في “قفصِ عظامكم”، ما هي تلك القيود التي تُقيّدُكم؟ شاركوا أفكاركم مع أنفسكم، مع أصدقائكم، أو مع مُختصّ. لا تستخفوا بأهمية هذه الرحلة، فهيَ رحلةٌ إلى أعمق مستوياتِ وجودكم، رحلةٌ تُحددُ مستقبلكمِ وتُعززُ سعادتكم.

Photo by Vinicius “amnx” Amano on Unsplash