كم مرةٍ شعرتَ بِثقلٍ على صدرك، ليس بسبب ألمٍ جسديّ، بل بسبب ما يُعانيهُ الآخرون؟ كم مرةً شاهدتَ وجهاً حزيناً، أو سمعتَ قصةً مؤلمة، فأحسستَ وكأنّها تُلامسُ قلبك مباشرةً؟ هذه المشاعرُ، هذه الرّحلةُ العاطفيةُ إلى عالمٍ آخر، هي جوهرُ التعاطف. ليستْ مجردَ تعاطفاً عاطفيّاً سطحيّاً، بل هي فهمٌ عميقٌ لما يشعر به الآخرون، حتى وإن اختلفتْ تجاربنا وخلفياتنا. في حياتنا اليوميّة، نصادفُ مواقفَ كثيرةً تُبرزُ أهمّيةَ التعاطف: من صديقٍ يمرّ بِفترةٍ صعبة، إلى غريبٍ يحتاجُ إلى المساعدة، إلى قضايا اجتماعيةٍ تُلقي بظلالها على حياة الكثيرين. التعاطفُ ليسَ رفاهيةً، بل هو ضرورةٌ لبناءِ علاقاتٍ إنسانيةٍ صحيةٍ، ومجتمعٍ متماسكٍ، ومستقبلٍ أفضل.
عصفورٌ في قفصٍ، لكنه يغردُ بِأَلْوانِ قُلوبٍ أخرى.
يُشبهُ هذا القولُ جميلُ حالةَ الشخصِ الذي يعاني، فهو محصورٌ في ظروفهِ الصعبة، كالعصفورِ في قفصه. لكنّ قدرتهُ على التعاطف، وعلى فهمِ معاناةِ الآخرين، تُضفي ألواناً زاهيةً على غنائهِ، ألواناً تُعبّرُ عن قُلوبٍ أُخرى تُشاركُهُ ألمه، وتُفهمُ معاناته. فالتعاطفُ يُخرجُنا من عزلتنا، ويُربطُنا بالآخرين برباطٍ قويٍّ يَبنيهُ الفهمُ والمشاركةُ. فكر، مثلاً، في متطوعٍ يعملُ معَ الأطفالِ اليتامى: هو في وضعهِ المريح، لكنّ تعاطفهُ العميقَ معَ معاناةِ هؤلاءِ الأطفالِ يُضيفُ معنىً جديداً لِحياتهِ، ويُلونُها بلونِ الأملِ والمحبة.
يُمكنُنا تعزيزُ التعاطفِ في حياتنا من خلالِ الاستماعِ الفعّال، ومحاولةِ فهمِ وجهاتِ النظرِ الأخرى، ووضعِ أنفسنا مكانَ الآخرين. إنّهُ تمرينٌ يومِيٌّ يُنمّي روحنا الإنسانية، ويُحسّنُ علاقاتنا معَ الآخرين. كلّما مارسنا التعاطفَ أكثر، كلّما أصبحنا أكثرَ قدرةً على بناءِ علاقاتٍ صحيةٍ وإيجابية.
لذا، دعونا نُعيدُ النظرَ في تفاعلاتنا اليومية، ونُدركَ أهميّةَ التعاطفِ في حياتنا. حاولوا اليومَ أن تُظهروا تعاطفاً أكثرَ معَ أصدقائكم، أفرادِ عائلتكم، أو حتى الغرباء. شاركونا أفكاركم، وخبراتكم، وكيفَ تُمارسونَ التعاطفَ في حياتكم اليوميّة. فالتعاطفُ ليسَ مجردَ مفهومٍ نظريّ، بل هو سلوكٌ يُغيّرُ حياتنا وحياةَ من حولنا إلى الأفضل. فلتكن قُلوبُنا منارةً للرحمةِ والتفهم.
Photo by Guilherme Stecanella on Unsplash