كم من مرة شعرتَ بوجعٍ في قلبكِ عند سماع قصة مُحزنة؟ أو كم مرة وجدتَ نفسكَ تمدُّ يدَ العونِ لشخصٍ يحتاجُ المساعدة، حتى وإن لم تكنَ تربطُكَ بهِ علاقةٌ قوية؟ هذه المشاعر، هذه اللحظات، هي أساسٌ لما يُعرفُ بالتعاطف. فالتعاطف ليسَ مجردَ كلمةٍ جميلةٍ نرددُها، بل هوَ سلوكٌ عميقٌ، قدرةٌ على فهمِ مشاعرِ الآخرين وتَقَدُّرِها، والمشاركةِ في أحزانهم وأفراحهم. هوَ ذلك الشعورُ الدافئُ الذي يُساعدُنا على بناءِ علاقاتٍ إنسانيةٍ قويةٍ، ويُنمّي فينا روحَ الإيثار والتضحية. في زحمةِ الحياةِ اليوميةِ، ووسطَ ضغوطِها المتلاحقة، قد ننسى أحياناً أهميةَ التعاطف، لكن تأثيراته الإيجابية على نفسيتنا وعلى علاقاتنا الاجتماعية لا يمكن إنكارها. فهل فكرنا يوماً في مدى تأثير تعاطفنا مع الآخرين على حياتهم وحياتنا؟
—
أنوارٌ خافتةٌ تُضيءُ في قاعِ البحرِ، تلك هي التعاطف.
—
هذا القولُ الجميلُ يُجسّدُ بصورةٍ بديعةٍ جوهرَ التعاطف. فكّرْ في قاعِ البحرِ المُظلم، حيثُ لا تصلُ أشعةُ الشمسِ، إلا أنوارٌ خافتةٌ تُضيءُ هُنا وهُناك، تُشيرُ إلى وجودِ حياةٍ، إلى وجودِ كائناتٍ تُصارعُ الظلامَ وتُحافظُ على وجودها. هذه الأنوارُ الخافتةُ تمثّلُ أفعالَ التعاطف، أفعالَ الخيرِ الصغيرةِ التي قد تبدو تافهةً في بعض الأحيان، لكنها تُحدثُ فرقاً كبيراً في حياةِ من يستقبلونها. كلمةٌ طيبةٌ، سماعٌ مُنتبِهٌ، مساعدةٌ صغيرةٌ، كلها أفعالٌ صغيرةٌ تُضيءُ الظلامَ وتُخففُ من وطأةِ الأحزانِ والمشاكل. فالتعاطفُ ليسَ مُجردَ إحساسٍ عابرٍ، بل هوَ فعلٌ ملموسٌ يُغيّرُ من واقعِ الآخرين ويُساعدُهم على تجاوزِ صعوباتهم. فكر مثلاً في المتطوّعين الذين يُساعدون اللاجئين، أو الأطباء الذين يُعالِجون المرضى، أو حتى الصديق الذي يُواسِي صديقه في أوقات حزنه. كل هؤلاء يُجسّدون معنى التعاطف الحقيقي.
—
باختصار، التعاطفُ هوَ جوهرُ الإنسانية، هوَ الضوءُ الذي يُضيءُ طريقنا في ظلامِ المشاعرِ السلبيةِ. هوَ الأساسُ لبناءِ مجتمعٍ سعيدٍ ومُتراحم. دعونا نتأملُ في أفعالنا وأقوالنا، ونُحاولُ أن نُضيءَ بأنوارِ تعاطفنا الخافتةِ حياتَ من حولنا. شاركونا أفكاركم وتجاربكم في التعاطف، فلنُشاركَ معاً في بناءِ عالمٍ أكثر رحمةً وتفاهماً. لأنَّ عالمًا مليئًا بالتعاطف هو عالم أفضل لنا جميعًا.
Photo by Diego PH on Unsplash