كم من مرةٍ تمنينا لو أن السعادة تصل إلينا كهديةٍ مُغلفةٍ بابتسامةٍ واسعة؟ كم من مرةٍ بحثنا عنها في الأشياء المادية، في العلاقات المُثالية، أو في تحقيق أهدافٍ مُحددة؟ نحن نبحث عنها باستمرار، تلك الفراشة الخفيفة التي تلمس قلوبنا لحظاتٍ ثم تختفي. لكن السعادة ليست شيئاً نصل إليه في نقطةٍ مُحددة، بل هي رحلةٌ مستمرة، تتطلب منا فهمًا أعمق لذواتنا، وللعالم من حولنا. نعيش في زمنٍ سريع الخطى، مليء بالمتطلبات والضغوط، فننسى أحيانًا أن نُقدّر اللحظات البسيطة، القهوة الصباحية الدافئة، ضحكة طفل، أو محادثة هادئة مع صديق عزيز. في هذا الزخم، يصبح من الصعب أحياناً تحديد ما يجعلنا سعداء حقاً. فلنبدأ رحلتنا نحو فهم أعمق لهذه المشاعر الجميلة.
السعادة: فراشةٌ زرقاءٌ تهرب من شبكةِ التفكير.
هذا المثل الشعريّ يُجسّد ببراعةٍ طبيعة السعادة الهشة. فكما تُفلت الفراشة الزرقاء الرقيقة من أي محاولةٍ للإمساك بها، فإن السعادة تتلاشى عندما نحاول الإمساك بها بقوةٍ مُفرطة، عندما نُفكر فيها بشكلٍ مُفرط، ونُحللها، ونُعقّدها. إنّ التفكير المفرط، القلق المُستمر، والتركيز على السلبيات، كلها تُشكل “شبكة” تحبسنا عن الوصول إلى السعادة. تخيلوا أنكم تحاولون اصطياد فراشةٍ جميلة، كلما اقتربتم منها، كلما زادت سرعة هروبها. كذلك السعادة، تبتعد كلما حاولنا الإمساك بها بقوة. بدلاً من ذلك، علينا أن نُخلق بيئةً مُلائمة لها، بيئةً من الهدوء، والقبول، والتفاؤل.
يُمكننا تطبيق هذا المبدأ في حياتنا اليومية، بالتخفيف من ضغط التفكير المُفرط. مثلاً، بدلاً من القلق بشأن المستقبل، ركزوا على اللحظة الحالية. مارسوا اليقظة الذهنية (Mindfulness)، وهي تقنيةٌ تُساعد على التركيز على الحواس، والاستمتاع باللحظة دون تقييم أو حكم. تجنبوا مقارنة أنفسكم بالآخرين، فكل شخصٍ لديه رحلته الخاصة في البحث عن السعادة. ركزوا على نقاط قوتكم، واحتفلوا بإنجازاتكم، مهما كانت صغيرة. تذكروا أن السعادة ليست وجهةً، بل هي رحلةٌ مليئة باللحظات الجميلة التي يجب علينا أن نُقدّرها.
في الختام، السعادة ليست هدفاً بعيد المنال، بل هي حالةٌ ذهنيةٌ نُنميها من خلال تغيير طريقة تفكيرنا وتعاملنا مع الحياة. دعونا نتخلى عن شبكة التفكير المُعقدة، ونمنح أنفسنا الفرصة لنشعر بسعادة اللحظة، بفراشةِ الزرقةِ التي تطير بحريةٍ حولنا. خذوا وقتًا للتفكير في ما يجعلكم سعداء حقاً، واكتبوا أفكاركم، وشاركوا تجاربكم مع من تحبون. فرحلةُ البحث عن السعادة، هي رحلةٌ تستحق العناء.
Photo by Mohamed shamil on Unsplash