هل فكرتَ يومًا في ماهية السعادة؟ أين تجدها؟ هل هي هدفٌ بعيد المنال، أم لحظةٌ عابرةٌ سريعة الزوال؟ كثيرًا ما نبحث عنها في الأشياء الكبيرة: النجاح المهنيّ، الثروة، العلاقات المثالية… لكنّ السعادةَ أحيانًا تختبئُ في التفاصيل الصغيرة، في لحظةٍ هادئةٍ مع كوبٍ من القهوة، في ضحكةٍ طفوليةٍ، في عناقٍ دافئٍ. نعيشُ حياتنا نطاردُها، نسعى وراءها، نُرهق أنفسنا في سبيلها، وننسى أحيانًا أن نُلاحظها وهي تُحيط بنا. نعيشُ في دوامةٍ من التوقعات والمسؤوليات، ونغفلُ عن جمال اللحظات البسيطة التي تُشكّلُ نسيجَ سعادتنا الحقيقية. فالسعادةُ ليست هدفًا نهائيًا، بل هي رحلةٌ، مشاعرٌ نختبرها، وأفكارٌ نعتزّ بها، وحياةٌ نعيشها بكلّ تفاصيلها. لكن كيف نُمسك بهذه السعادة ونحافظ عليها؟

***

**السعادةُ فراشةٌ تهربُ من يديك، إلا إنْ أمسكتَ بها بلطفِ النسيم.**

***

هذا المثلُّ الجميلُ يُجسّدُ حقيقةً عميقةً حول طبيعة السعادة. فكثيرًا ما نُحاولُ الإمساكَ بها بقوةٍ، بإصرارٍ مُفرط، نتوقّعُ منها أن تُرضي طموحاتنا الكبيرة، لكنّ ذلك يُخيفها ويُبعدها. السعادةُ كالفراشة، جميلةٌ رقيقة، تحتاجُ إلى مُعاملةٍ لطيفةٍ ورقيقة. يجبُ علينا أن نُحاولَ الوصولَ إليها بلطفِ النسيم، بالتّأنّي والصبر، بالتّقديرِ لكلّ ما نملك، وبالتركيز على اللحظات الجميلة في حياتنا. تخيّل أنك تُريدُ أن تُمسكَ فراشةً، لو أمسكتَها بقوةٍ، ستُؤذيها، وربما تُقتلها، لكنّك لو اقتربتَ منها بلطفٍ، ببطءٍ، ستتمكّنُ من مُشاهدتها، وحتى من مُلامستها برقة. هذا ما ينطبقُ على السعادة أيضًا، لا تُجبر نفسك عليها، بل دعها تأتي إليك.

مثال على ذلك، التركيز على الشّكر والتّقدير على النعم الموجودة في حياتنا، مهما كانت صغيرة، يُساعدنا على جذب السعادة. قضاء وقتٍ مع عائلتنا وأصدقائنا، ممارسة الهوايات التي تُسعدنا، الاهتمام بصحتنا الجسدية والنفسية، كلّ هذه الأمور تُساعدنا على الإحساس بالسعادة وتُقوي قدرتنا على مُواجهة الصعاب.

***

ختامًا، السعادةُ ليست غايةً بعيدة، بل هي مُشاعرٌ نختبرها في اللحظات البسيطة. إنّها فراشةٌ رقيقة، تحتاجُ إلى مُعاملةٍ لطيفةٍ. فلنُحاول جميعًا أن نُطبّقَ هذا المفهوم في حياتنا، لنُركز على النعم التي نملكها، ولنُحيط أنفسنا بالإيجابية، ولنُعطي أنفسنا وقتًا للراحة والاسترخاء. فكّر في اللحظات التي شعرت فيها بالسعادة الحقيقية، شاركنا هذه اللحظات، وانشر روحَ السعادةِ حولك. فالسعادةُ ليست رفاهيةً، بل حقٌّ من حقوق الإنسان، ويستحقّ أن نُكرسَ جهدنا في سبيل الحفاظ عليها وتنميتها.

Photo by David Clode on Unsplash