هل سبق لك أن شعرت بمدٍّ من الحزن يغمرك، ليس حزنك الخاص، بل حزن شخص تعرفه؟ هل تأثرتِ بقصةٍ قرأتها أو فيلمٍ شاهدتهِ، حتى شعرتَ وكأنّك تعيش تلك التجربة بنفسك؟ هذه المشاعر، هذه القدرة على فهم معاناة الآخرين ومشاركتها، هي جوهر التعاطف. ليس مجرد تفهّمٍ عقليّ، بل تجربةٌ عاطفيةٌ عميقةٌ تربطنا ببعضنا البعض، تُسقط جدران الأنا وتُذيب حواجز الغربة. في حياتنا اليومية، نصادف مواقفًا تُجبرنا على اختيار التعاطف، أو تجاهله، واختيارنا له يُحددُ نوع العلاقة التي نبنيها مع من حولنا، وحتى نوع المجتمع الذي نصنعه. فالتعاطف ليس رفاهية، بل ضرورةٌ لبناء علاقاتٍ صحيةٍ ومجتمعٍ متماسك. يُساعدنا على بناء جسور الثقة، ويُشعلُ شرارة الأمل في نفوس الآخرين، ويُرسّخُ القيم الإنسانية النبيلة.

***

أجنحةٌ من حرير، تحلق فوق أحزان الغير.

***

هذا البيت الشعريّ الرائع يُجسّدُ ببراعةٍ معنى التعاطف. “أجنحةٌ من حرير” – خفيفةٌ ورقيقة، لا تُثقل كاهلنا، بل تُمكّننا من الاقتراب من أحزان الآخرين دون أن نغرق فيها. “تحلق فوق أحزان الغير” – نحن لا نُحلّ محلّ المتألم، ولا نحاول أن “نصلح” كل شيء، بل نكون ببساطة حاضرين، مُستمعين، مُشاركين في معاناتهم بروحٍ حانيةٍ وقلوبٍ مفتوحة. تخيلوا صديقًا فقدَ شخصًا عزيزًا عليه، التعاطف هنا لا يعني محاولة إيجاد كلماتٍ مُثالية، بل أن نكون بجانبه، نُعانقه، نُسمع له، ونُشارك حزنه دون أن نحاول إخراجه من مشاعره. التعاطف هو أن نكون “أجنحةً من حرير” تُخفّف من ثقل أحزانه، دون أن نتسبب في إزعاجه بمحاولاتٍ مُتسرعةٍ لإصلاح ما هو لا يُصلح.

التعاطف يُنمّى، ولا يولد فطريًا. يتطلبُ التمرين والممارسة، والاستعداد للتفهم لوجهاتِ نظرٍ مختلفة، والقدرة على الاستماع بإخلاصٍ وانفتاح. يتطلّب التعاطف أن نضع أنفسنا مكان الآخرين، أن نحاول فهم أسبابِ معاناتهم، دون إصدار أحكام سريعة. إنه فنٌّ يتطلبُ ممارسةً مستمرةً لتحسينهِ وتطويره.

***

باختصار، التعاطف هو جوهر الإنسانية، هو جسرٌ يُوصلنا ببعضنا بعضًا، هو “أجنحةٌ من حرير” تُساعدنا على الطيران فوق أحزان الغير، مُخفّفين من ثقلها بحنانٍ ورقة. دعونا نتأمل في حياتنا، وفي كلماتنا وأفعالنا، ونُحاول أن نكون أكثر تعاطفًا مع من حولنا. شاركوا تجربتكم مع التعاطف، و كيف أثّر في علاقاتكم ومجتمعكم. فلنجعل من عالمنا مكانًا أكثر رحمةً وتفهمًا.

Photo by Vino Li on Unsplash