كم من مرةٍ شعرتَ بثقلٍ على كاهلك، ليس ثقلَ مسؤولياتك الشخصية، بل ثقلُ همومٍ وأحزانٍ لشخصٍ قريب؟ كم من مرةٍ تأثرتَ بمعاناةٍ لا تُشاركك فيها إلاّ رابطةٌ إنسانيةٌ خفية؟ هذه المشاعر، هذه الرّقّة، هذا الإحساس بمعاناة الآخر، هي جوهر التعاطف. ليس التعاطف مجردَ كلمةٍ جميلةٍ نرددها، بل هو فعلٌ يوميٌّ نُمارسه – أحياناً بوعي، وأحياناً بغير وعي – في تفاعلاتنا مع من حولنا. يظهر في ابتسامةٍ مُخلصةٍ تُهديها لمن يحتاجها، في كلمةٍ طيبةٍ تُخففُ وطأةَ اليأس، في أذنٍ صاغيةٍ تستمعُ دونما حكمٍ أو نقد. إنه رباطٌ يُشكلُ نسيجَ مجتمعنا، ويبني جسورَ الترابط بين القلوب. إنه سرّ السعادة الحقيقية، تلك التي لا تُبنى على الذات فحسب، بل على التشارك في مشاعر الآخرين.

أجنحةٌ خفيفةٌ تحملُ أوزانَ الغير.

هذا القولُ البليغُ يُلخصُ جوهرَ التعاطف بدقةٍ مُذهلة. فالتعاطف ليس بالضرورة أنْ نتحملَ أعباءَ الآخرين حرفياً، بل هو أن نُدركَ ثقلَ تلك الأعباء، وأن نُساعدَ في تخفيفها قدرَ الإمكان. أجنحتنا، وهي قدراتنا ومواردنا، مهما كانتْ صغيرةً، تستطيعُ أن تحملَ جزءاً من أوزانِ من حولنا. فكلمةٌ تشجيعيةٌ قد تُنيرُ طريقَ شخصٍ ضالّ، وسماعُ قصةٍ مُؤلمةٍ بصدرٍ رحيمٍ يُخففُ من وطأتها على الراوي، ومُساعدةٌ بسيطةٌ قد تُحدثُ فارقاً كبيراً في حياةٍ مُعَاناة. التعاطف يُشبهُ الريشة الخفيفة التي تُزيلُ الغبار عن الروح، تُعيدُ الأملَ إلى القلوب، وتُلهمُ الصبرَ في مواجهةِ التحديات.

فكر مثلاً في صديقٍ يمرّ بمرحلةٍ صعبة، هل مجردُ وجودك بجانبه، استماعك له دون انقطاع، ومُشاركتك له بمشاعره، ليس كافياً لتخفيفِ وطأةِ ما يمرّ به؟ هذا هو التعاطف في أبسط تجلياته. ولا نحتاجُ دائماً إلى حلولٍ سحريةٍ، بل إلى قلبٍ مُتَفهمٍ وروحٍ مُتسامحةٍ تُدركُ قيمةَ المشاركةِ في الأوجاع والافراح.

وختاماً، أدعوكم إلى التمعّن في هذا المفهومِ العظيم، التعاطف، وأن تُعيدوا النظرَ في تفاعلاتكم اليوميةِ مع من حولكم. هل تُمارسونُ التعاطف بوعي؟ هل تُعطونَ أنفسكم وقتاً كافياً للاستماعِ لفهمِ احتياجاتِ الآخرين؟ شاركوا أفكاركم معنا في التعليقات، و لنُنشر معاً ثقافةَ التعاطف والإحسان. فبالتعاطف، نُحوّلُ مجتمعنا إلى مكانٍ أجمل، أكثرَ سلاماً، وأكثرَ انسجاماً. فلتكن أجنحتنا الخفيفة حاملةً لأوزانِ الغير، لتُضيءَ طريقَهم نحو الأملِ والراحة.

Photo by Bernard Hermant on Unsplash

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top