كم مرة شعرتَ بتلك الوخزة في قلبكِ عند سماع قصة مُحزنة؟ كم مرة وجدت نفسكَ تتمنى لو بإمكانكِ مساعدة شخص ما يعاني؟ نحن جميعًا، في لحظاتٍ مختلفةٍ من حياتنا، نُواجه مواقف تلامس مشاعرنا العميقة، تُذكرنا بضعفنا، وباحتياج الآخرين للدعم والتفهم. أحياناً نجد أنفسنا غارقين في مشاغلنا اليومية، نسارع في حياتنا السريعة، وننسى أن نلقي نظرةً على من حولنا، على تلك الوجوه التي قد تحملُ همومًا وأحزانًا أكبر من طاقتها. التعاطف ليس مجرد كلمةٍ جميلة، بل هو فعلٌ إنسانيٌّ نبيل، قوةٌ خفيةٌ تُضيء حياة من حولنا، وتُعيد لنا إيماننا بأنفسنا وبإنسانيتنا. إنه ذلك الشعور الذي يُحركنا لمساعدة الآخرين، ليس فقط بالمال أو الجهد، بل بالكلمة الطيبة، بالاستماع المُنتبه، وبالوقوف بجانبهم في لحظات ضعفهم. دعونا نتحدث اليوم عن هذا الشعور الرائع، كيف نُنمّيه، وكيف يُغيّر حياتنا وحياة من حولنا.
أجنحةٌ خفيفةٌ تحملُ أوزانَ الآخرين.
هذا القولُ البليغُ يَجسّدُ جوهرَ التعاطفِ ببراعة. تخيلوا أجنحةً خفيفة، لا تُثقلُ كاهلَ حاملها، لكنها قادرةٌ على حملِ أوزانٍ ثقيلةٍ، أوزان هموم الآخرين وآلامهم. هذا هو التعاطف، قدرةٌ على المشاركةِ في مشاعر الآخرين دون أن نغرقَ في بحرِ أحزانهم. فالتعاطف ليس أن تشعرَ بنفسِ الألمِ الذي يشعرُ به الآخر، بل أن تتفهمَ معاناته، وتُقدّرَ حجمَ ما يمرّ به، وتُمدّهُ بالدعمِ اللازم. فمثلاً، قد لا نكون قد مررنا بتجربةِ فقدانِ شخصٍ عزيز، لكن بإمكاننا أن نتخيلَ حجمَ الحزنِ والألمِ الذي يُصاحبُ هذه التجربة، ونُعزّيَ من فقدَ حبيبًا بصدقٍ ورحمة. ذلك هو التعاطف، هو أن نُشاركَ الآخرينَ أحزانهم، ونُساعدهم على حملِ أوزارهم دونَ أن نتحملها بالكامل، بل أن نُساعدهم على تقليلِ ثقلها.
التعاطف ليس موهبةً فطريةً، بل هو سلوكٌ نتعلمهُ ونُنمّيهُ من خلال ممارسته. بإمكاننا تعزيز قدرتنا على التعاطف من خلال الاستماع الفعال، مُحاولة فهم منظور الآخر، ومشاركة أفكارنا ومشاعرنا بصدقٍ وشفافية. تذكر، ليس علينا أن نحلّ مشاكل الآخرين، بل أن نكون بجانبهم، أن نكون كتفًا نستند عليه في لحظات ضعفهم.
لنختمَ بقولٍ، إنّ التعاطفَ قوةٌ عظيمةٌ، قدرةٌ على بناءِ جسورٍ من التفاهمِ والرحمةِ بين الناس. هو بمثابةُ ضوءٍ في ظلامِ اليأس، وأملٌ في وسطِ المعاناة. أدعوكم اليوم إلى التفكيرِ في كيفيةِ تعزيزِ قدرةِ التعاطفِ لديكم، ومشاركةِ تجاربكمَ مع الآخرين. فمن خلال التعاطف، نُنشئُ عالماً أكثرَ رحمةً وتفهماً، عالماً يُشبهُ أجنحةً خفيفةً تحملُ أوزانَ الجميع دون أن تنهار.
Photo by Felix Steininger on Unsplash