كم مرةً شعرتَ بتلك الوخزةِ الخفيفةِ في قلبك عندما شاهدتَ شخصاً يعاني؟ تلك اللحظةُ القصيرةُ التي تتوقفُ فيها عن كلِّ شيءٍ لتُفكرَ في مَن حولك، لتشعرَ بمعاناتهم وكأنها معاناتكَ الخاصة. هذا الشعورُ الدقيق، هذا الحدسُ الإنسانيُّ الجميل، هو جوهرُ التعاطف. نصادفهُ يومياً، في أبسطِ المواقف، من ابتسامةٍ تُهدى إلى صديقٍ حزينٍ إلى مساعدةٍ تُقدمُ لكبيرٍ في السنّ. هو أكثرُ من مجردِ الشفقة، هو انغماسٌ حقيقيٌّ في مشاعر الآخرين، فهمٌ عميقٌ لما يمرُّون به، رغبةٌ صادقةٌ في تخفيفِ أعبائهم. ليسَ مجردَ تعبيرٍ فارغ، بل هو فعلٌ يُغيرُ حياتنا، ويُغيّرُ حياةَ من حولنا. هو اللغةُ غيرُ المنطوقةِ التي تربطُ بين القلوب. لكن كيف نُنمّي هذا الشعورَ الجميل ونُبرزُهُ في حياتنا؟
أجنحةٌ خفيفةٌ تحملُ عناقيدَ ضوءٍ، هكذا هي التعاطف.
هذا الكلامُ يُلخّصُ جوهرَ التعاطف بشكلٍ بديع. أجنحةٌ خفيفةٌ، بمعنى أن التعاطف ليس عبئاً ثقيلاً، بل هو شعورٌ رقيقٌ وسهلٌ. لكنّه يحملُ عناقيدَ ضوءٍ، فهو يُضيءُ حياةَ من نتعاطفُ معهم، ويُضيءُ حياتنا أيضاً. تخيلوا مثلاً صديقاً يُشاركُكم همّه، شعورُكم حينها لن يكونَ فقط بالمُشاركةِ في حزنه، بل سيكون هناكَ ضوءٌ أملٍ يتخللُ ذلك الحزن، ضوءٌ يُظهرُ قوّةَ الروابطِ بينكم. أو تخيلوا موقفاً تُساعدونَ فيهُ شخصاً محتاجاً، فإنّ الشعورَ بالرضاِ والسعادةِ الذي تشعرون به هو نتاجٌ للتعاطف، ذلك الضوءُ الذي يُشعّ من فعلٍ طيب.
إنّ التعاطفَ ليسَ موهبةً فطريةً فقط، بل هوَ مهارةٌ يمكنُ تطويرُها. بإمكاننا تعزيزهُ من خلال الاستماعِ الفعّال، بالتعرفِ على قصصِ الآخرين، وبمحاولةِ فهمِ وجهاتِ نظرهم، حتى لو اختلفتْ عن وجهاتِ نظرنا. كلما زدنا من فتحِ قلوبنا لما حولنا، كلما زادت قدرتنا على التعاطف.
في الختام، التعاطفُ ليسَ مجردَ شعورٍ جميلٍ، بل هو ركيزةٌ أساسيةٌ لبناءِ مجتمعٍ مترابطٍ وسعيد. دعونا نُجربُ اليومَ أن نُركزَ على التعاطفِ معَ من حولنا، أن نُسمعَ صوتهم، ونُشاركهم مشاعرهم. فلنُضاءِ حياتنا وحياةَ الآخرين بأجنحةِ التعاطفِ الخفيفةِ التي تحملُ عناقيدَ ضوءٍ ساطع. شاركونا أفكاركم، وخبرونا كيف تُعبّرون أنتم عن تعاطفكم. فلنجعل من العالمِ مكاناً أكثرَ دفئاً وإنسانيةً.
Photo by Markus Spiske on Unsplash