هل سبق وأن شعرتَ بتلك اللحظة التي تتجاوز فيها الكلمات، حيث تفهم نظرة عين أو حركة بسيطة أكثر مما تُخبرك به ألف كلمة؟ تلك اللحظة العفوية، الغير مُخطّطة، هي جوهر التعاطف. نحن نعيش في عالم مليء بالضجيج، بسرعة الحياة المُرهقة، فغالباً ما ننسى أهمية التوقف والاستماع، ليس فقط للكلام، بل لما وراءه. ننسى النظر إلى قلوب الآخرين، لفهم ما يخفيه الصمت، أو ما يتجاوز حدود الكلمات المنطوقة. التعاطف ليس مجرد شعور، بل هو فنٌّ نتعلمه ونُتقنه يوماً بعد يوم، وهو رحلةٌ جميلة تُثري حياتنا وتُعمّق روابطنا مع من حولنا. فهو يمنحنا القدرة على بناء علاقات أعمق وأكثر ديمومة، بل ويُساهم في بناء مجتمع أكثر رحمة وتفاهماً.
أجنحة فراشة، تحمل همس سرٍّ، تفهم.
هذا القول الجميل يعبّر بعمق عن سرّ التعاطف. فكّر في فراشة رقيقة، أجنحتها الهشة تحمل أسراراً خفية، همساً لا تُدركه إلاّ القلوب المُستعدّة للاستماع. هكذا هو التعاطف، يحتاج إلى قلبٍ مفتوح، وعقلٍ مُستعدٍّ لفهم منظور الآخر، حتى ولو اختلف عن منظورنا. إنه “الهمس” الذي يَصلنا من خلال الملاحظة الدقيقة، من خلال الشعور بما يشعر به الآخر، حتى وإن لم يُعبّر عنه صراحةً. ربّما نرى في دموع صديق حزنًا عميقًا، أو في ابتسامة طفلٍ فرحةً لا توصف، ذلك هو فهم “الهمس”، هو إدراك المشاعر الكامنة وراء السلوكيات الظاهرة. تعلّم التعاطف هو تعلّم فنّ الاستماع الحقيقي، والاستجابة بوعي وشفافية.
بإمكاننا أن نُطبّق التعاطف في كلّ جوانب حياتنا. في عملنا، حيثُ يُساعدنا على فهم احتياجات زملائنا وتقديم الدعم المناسب. في علاقاتنا الأُسرية، حيث يُعزّز الروابط الأُسرية ويُقلّل من سوء الفهم. وفي تعاملاتنا اليومية، حيث يُساعدنا على بناء علاقات إيجابية مع كلّ من حولنا. حتى في مواجهة الخلافات، يُمكن للتعاطف أن يكون جسرًا نحو التفاهم والحلّ المُرضي للجميع. فبدلاً من الحكم، نحاول فهم دوافع الآخرين، ونُقدّر ظروفهم.
لذلك، دعونا نُدرك قيمة التعاطف في حياتنا، ونُمارسه بوعي. دعونا نتوقف لحظةً لنستمع إلى “همس الفراشات” في قلوب الآخرين. شاركوا تجاربكم مع التعاطف، وماذا يعني لكم هذا الشعور الرائع؟ فكلٌّ منّا يُمكنه أن يُساهم في بناء عالمٍ أكثر تعاطفًا، عالمٍ يُشعّ بالحبّ والتفاهم. فقط نحتاج لقليل من الوعي، وقليل من الجهد، ليُصبح التعاطف سمةً بارزةً في حياتنا.
Photo by Izuddin Helmi Adnan on Unsplash