كم مرة شعرتَ بتلك الوخزة الخفيفة في قلبك عند رؤية شخصٍ يصارع صعوبة ما؟ هل لاحظتَ نفسك تتأثرُ بمشاعر الآخرين، حتى لو كانت غريبة عن تجربتك الشخصية؟ هذا الشعور، هذا الاهتزاز الداخلي الذي يربطنا بمن حولنا، هو جوهر التعاطف. ليس مجرد فهمٍ عقلانيّ لموقف شخص آخر، بل هو غوصٌ في أعماق مشاعره، هو مشاركةٌ ولو جزئيةً في رحلته، سواء كانت رحلة فرحٍ أم حزنٍ، نجاحٍ أم إخفاقٍ. في حياتنا اليومية، نصادف باستمرار مواقف تتطلب منا التعاطف: من صديقٍ يعاني من ضغط العمل، إلى جارٍ يمرّ بظروفٍ صعبة، إلى شخصٍ غريبٍ يواجه تحدياً ما في الشارع. التعاطف ليس رفاهية، بل هو أساس بناء علاقاتٍ إنسانيةٍ قويةٍ وصحيةٍ، وهو ركنٌ أساسيّ لبناء مجتمعٍ متماسكٍ ومتسامحٍ.
أجنحة فراشة، تحمل همس سرٍّ مفقود.
هذا البيت الشعريّ البديع يُلخّص جوهر التعاطف ببراعةٍ. فأجنحةُ الفراشة، الرقيقة والهشة، ترمز إلى هشاشة مشاعرنا، وسرٍّ مفقود يُشير إلى الألم أو الحزن أو الصعوبة التي يعاني منها الآخر. و “الهمس” يُعبّر عن تلك المشاعر الخفيّة، تلك الأوجاع التي لا تُقال بصراحةٍ دائمًا، والتي يحتاج الآخر إلى من يستمع إليها بفهمٍ وعمقٍ. التعاطف هو القدرة على سماع هذا الهمس، على فهم هذا السرّ المفقود، دون الحاجة إلى كلماتٍ واضحة. قد يكون مجرد نظرةٍ تعاطفيةٍ، أو سماعٍ صامتٍ، أو كلمةٌ طيبةٌ، كفيلةً بأن تُشعل شعاع أملٍ في قلبٍ مُعذب. تخيّلوا مثلاً، شخصاً فقد وظيفته، التعاطف ليس تقديم نصائحٍ مباشرة، بل هو الاستماع له، مشاركته شعوره بالإحباط، وعرض الدعم العمليّ والمعنويّ دون إصدار أحكام.
إنّ ممارسة التعاطف تتطلب منا بذل جهدٍ حقيقيّ، أن نتخطّى أنفسنا، وأن نضع أنفسنا مكان الآخر. ليس بالضرورة أن نملك الحلول لكل مشكلة، لكن مجرد الاستماع بصدق، والإحساس بمعاناة الآخر، يُعتبر في حد ذاته تعاطفاً. هذا لا يعني أن نتحمّل أعباء الآخرين، بل يعني أن نكون رفيقاً في رحلته، نمدّ له يد العون والدعم، ونُشاركُه مشاعره. كلما زدنا في ممارسة التعاطف، كلما ازدادت قدرتنا على بناء علاقاتٍ إنسانيةٍ قويةٍ، وكذلك ازدادت سعادتنا وسلامنا الداخليّ.
في الختام، دعونا نتذكر دائماً قوة التعاطف، تلك القدرة على سماع همس السرّ المفقود في قلوب الآخرين. فلنخصّص وقتاً للتفكير في كيفية زيادة تعاطفنا مع من حولنا، و لنشارك تجاربنا و أفكارنا حول هذا الموضوع الهام. فالتعاطف هو ليس مجرد ميزة شخصية، بل هو ضرورةٌ إنسانية، ركيزةٌ أساسيةٌ لبناء عالمٍ أفضل، عالمٍ أكثر رحمة وتفهمًا، عالمٌ يسودُ فيه الحبّ والسلام. فلنكن أجنحة فراشاتٍ تحمل همس الأمل بدلاً من همس الحزن.
Photo by Joshua Hibbert on Unsplash