كم مرة شعرتَ بأنّكَ تفهمُ شخصاً ما دون الحاجة لكلمات؟ كم مرة وجدتَ نفسكَ تتشاركُ مشاعرَ شخصٍ آخر، حتى لو كانت مختلفةً تماماً عن مشاعركَ الخاصة؟ هذه اللحظات، مهما كانت صغيرة، هي شواهدٌ على قُدرتنا على التعاطف، تلك القدرة الرائعة التي تربطنا ببعضنا البعض، وتُضيءُ دروبَ حياتنا بِدفءٍ وإنسانية. في عالمٍ سريعٍ مُتسارع، يغلب عليه التنافس والانشغال الذاتي، نحتاجُ أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة اكتشاف هذه القوة، إلى تدريب أنفسنا على رؤية العالم من منظور الآخر، على الاستماع بقلوبنا قبل عقولنا. فالتعاطف ليس مجردَ شعور، بل هو فعلٌ إيجابيٌّ، هو جسرٌ يُبنى بيننا وبين من حولنا، جسرٌ يُمَكِّنُنا من بناء علاقاتٍ أعمق وأكثر ثراءً. لنتخيّل لحظةً نُدركُ فيها مدى أهمية التعاطف في بناء مجتمعٍ أفضل، مجتمعٍ يتسعُ فيه الجميع، مجتمعٍ يُقدّرُ التنوعَ ويُحتفلُ بالاختلاف.

أجنحة فراشة، تحمل أسرارَ عيونٍ غريبة.

هذا البيت الشعريّ الرائع يُجسّدُ، في رأيي، جوهرَ التعاطف. فأجنحةُ الفراشة، برقتها وحركتها الرقيقة، تُشبهُ هشاشةَ مشاعرنا وأحاسيسنا. أما “العيون الغريبة”، فهي تُمثّلُ الأشخاصَ الذين قد نختلفُ معهم، الذين قد لا نفهمُهم في البداية، الذين قد يبدو عالمهم غريباً بالنسبة لنا. لكنّ أسرارَ هذه العيون، هذه التجاربَ الحياتيةَ المُختلفة، هي التي تُثري حياتنا، وتُعلّمنا دروساً قيّمة. التعاطف هو ذلك “السرّ” الذي نكتشفه عندما نُحاولُ فهمَ منظورهم، عندما نتجاوزُ أحكامنا المسبقة، عندما نُبدي الاستماع الحقيقيّ والاهتمام الصادق. تخيلوا محاولة فهم شخص يعاني من اضطراب نفسي، أو شخص عاش تجربة مؤلمة، فلن نستطيع فهم معاناتهم بالكامل إلاّ بالتعاطف معهم، بالبحث عن “أسرار عيونهم الغريبة”.

في الختام، دعونا نتذكر دائماً أنّ التعاطف هو ليس ضعفاً، بل هو قوةٌ عظيمةٌ، قوةٌ تُمَكِّنُنا من بناء علاقاتٍ إيجابية، ومن بناء مجتمعٍ أكثرَ عدلاً وتفهّماً. أُشجّعُكم على أن تُعيدوا التفكير في مواقفكم السابقة، وأن تسألوا أنفسكم: هل تعاطفتُ حقاً مع الآخرين؟ هل حاولتُ فهمَ منظورهم؟ شاركوني أفكاركم وخبراتكم، فلنُبني معاً عالماً أكثر تعاطفاً، عالماً تُحملُ فيه أجنحةُ فراشةٍ، أسرارَ عيونٍ غريبةٍ، لكنّها عيونٌ نستطيعُ أن نراها، ونفهمَها، ونُقدّرَها. لأنّ في التعاطفِ حياةٌ، وفي الفهمِ إنسانيةٌ.

Photo by Melissa Askew on Unsplash

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top