كم مرة مررتَ بيومٍ شاقّ، شعرت فيه بثقل العالم على كاهلك؟ كم مرة لاحظتَ شخصًا قريبًا منك يعاني صمتًا، أو يختبئ خلف ابتسامةٍ مصطنعة تخفي وراءها حزنًا عميقًا؟ نحن كبشر، مرتبطون ببعضنا البعض بخيوطٍ رفيعةٍ من المشاعر والتجارب. قد لا ندرك دائمًا ما يدور في عقول وقلوب الآخرين، لكنّ قدرتنا على فهمهم، على الشعور بما يشعرون به، هي جوهر التعاطف، وهي جوهر الإنسانية نفسها. التعاطف ليس مجرد كلمةٍ جميلة، بل هو جسرٌ يربط بين القلوب، وهو نافذةٌ نطلّ منها على عالمٍ غنيّ بالمشاعر والأحاسيس المتنوعة. إنه القدرة على وضع أنفسنا مكان الآخرين، على استيعاب معاناتهم، وعلى محاولة تخفيف أوجاعهم، حتى ولو كانت صغيرة. ولكن كيف نتعلم هذا الفنّ العميق والجميل؟

أجنحة فراشة، تحمل أسرارَ عيونٍ أخرى.

هذا القول الجميل يلخص جوهر التعاطف ببراعة. فكّر في فراشةٍ رقيقة، تحمل على أجنحتها ألوانًا زاهية، لكنّها تحمل أيضًا أسرارًا خفية، أسرارَ ما تختبره في رحلتها، أسرارَ ما تراه وتشعر به. كذلك، كلّ شخصٍ منّا يحمل في أعماقه أسرارًا، قصصًا لا تُروى، ومشاعرَ لا تُفهم بسهولة. التعاطف هو القدرة على رؤية هذه الأسرار، على فهم هذه المشاعر، حتى وإن لم تُصارحنا بها. فمثلاً، زميلك في العمل الذي يبدو هادئًا، قد يكون يعاني من ضغوطٍ عائليةٍ كبيرة. أو صديقتك التي تبدو مُشرقةً، قد تخفي وراء ابتسامتها حزنًا خفيًا. التعاطف هو أن نُدرك هذه التفاصيل الدقيقة، وأن نحاول أن نمدّ يد العون والمساعدة، بإيماءةٍ صغيرة، أو بكلمةٍ طيبة، أو بمجرد الاستماع الفعال. إنه القدرة على “قراءة” ما بين السطور، على رؤية ما وراء الكلمات، على الشعور بالآخر.

وختامًا، التعاطف ليس عمليةً سهلة، بل هي رحلةٌ تتطلب التمرين والممارسة. دعونا نتعلّم أن نكون أكثر انتباهًا لمن حولنا، أن نستمع بقلوبنا قبل آذاننا، وأن نُظهر تفهمنا للمشاعر التي قد لا نستطيع فهمها تمامًا. أعيدوا قراءة هذا المقال، وتأمّلوا في معنى التعاطف في حياتكم الخاصة، و شاركوا أفكاركم مع الآخرين، ففي مشاركة التجارب وتبادل الخبرات يكمن سرّ نموّ التعاطف وتعزيزه. فالتعاطف ليس مجرد فضيلةٍ جميلة، بل هو ركيزةٌ أساسية لبناء علاقاتٍ إنسانيةٍ صحيةٍ ومستدامة، وهو مدخلٌ إلى عالمٍ أكثر سلامًا وتفاهمًا.

Photo by Josep Martins on Unsplash

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top