هل سبق لك أن جلستَ أمام ورقة بيضاء، قلمٌ بين يديك، ومهمةٌ إبداعيةٌ تنتظرك؟ ربما كنتَ تُخططُ لكتابة قصةٍ قصيرة، أو تصميم لوحةٍ فنية، أو حتى حلّ مشكلةٍ عويصة في العمل. في تلك اللحظة، تشعرُ بأنّ أفكارك كالفراشاتِ المتعبة، تطيرُ هنا وهناك، لكنّها لا تستقرّ. تبحثُ عن نقطة انطلاق، عن فكرةٍ رئيسية تُلهمك وتُنيرُ دربك الإبداعي. هذا الشعور بالتيه في بحر الأفكار هو تجربةٌ مشتركةٌ بيننا جميعًا، فالإبداع ليسَ مجردَ موهبةٍ فطرية، بل هو عمليةٌ مُتقنةٌ تتطلّبُ الصبر والممارسة والبحث الدؤوب عن تلك اللمسة السحرية التي تُحيي عملك وتُضفي عليه روحك الخاصة. لكن كيف نُروض هذه “الفراشات” ونُسيطر على تلك الأفكار المتراقصة؟

أفكارٌ تلعبُ كالقطط، تنطُّ هنا وهناك، ثم تستقرُّ على ورقةٍ فارغة.

هذا المثلُ البسيطُ يُجسّدُ بدقةٍ عمليةَ الإبداع. أفكارنا، كقططٍ صغيرةٍ مرحة، تتنقلُ بين جوانب عقولنا، تستكشفُ كلّ زاويةٍ، قبل أن تستقرّ أخيرًا على مكانٍ مناسب لتُخرجَ ما بداخلها. قد تقفزُ أفكارنا من موضوعٍ لآخر، من فكرةٍ مجنونةٍ إلى أخرى أكثر واقعية، قبل أن نجدَ الفكرة التي تُرضي رغبتنا وتُلبّي هدفنا. لكنّ هذا لا يعني الاستسلام للإحباط، بل هو جزءٌ من العملية الإبداعية نفسها. من المهمّ أن نُتيحَ لهذه “القطط” أن تلعبَ وتستكشف، وأن نُجهّزَ لها “ورقةً فارغة” – بيئةً مُحفّزةً – للاستقرار عليها. يمكننا تحقيق ذلك من خلال قراءة الكتب، مُشاهدة الأفلام، التفاعل مع الآخرين، أو ببساطة، الجلوس في مكانٍ هادئٍ والتفكير بحرية.

لتحقيق إبداعنا، علينا أن نُدركَ أن هذه “القفزات” العشوائية لأفكارنا هي جزءٌ لا يتجزأ من رحلة الإبداع. لا تتسرع في الحكم على الأفكار، دعها تتشكل وتتطور، وحتى الأفكار التي تبدو غير ذات صلة في البداية، قد تُضيف لمسة سحرية للعمل النهائي. تعلّم أن تَثقَ في حدسك، واستمتع بالرحلة.

في الختام، رحلةُ الإبداع ليستَ رحلةً سهلة، لكنها رحلةٌ مُجزيةٌ للغاية. دعونا نُدركَ طبيعةَ أفكارنا، ونُتيحَ لها التنقل والاستقرار، ونستمتع بكلّ مراحل الوصول إلى النتيجة المُبتكرة. فكّر في تجربتكَ الشخصية مع الإبداع، شاركنا أفكاركَ وتجاربكَ، فلعلّ مشاركتك تُلهمُ آخرين! تذكّر، الإبداعُ ليسَ موهبةً نادرةً، بل هو مقدرةٌ كامنةٌ فينا جميعًا تحتاج إلى التنشيط والصقل.

Photo by Enrico Mantegazza on Unsplash