كم من مرةٍ شعرتَ بأنّ فكرةً رائعةً خاطفت ذهنك، فرحتَ بها، ثمّ اختفتْ كأنّها لم تكن؟ ربّما خطرت لكَ أثناء الاستحمام، أو بينما تسيرُ في الشارع، فكرةٌ تبدو لكَ ثوريةً، حلّاً لمشكلةٍ ما، أو بداياتِ مشروعٍ جديدٍ. لكنّها سرعان ما تتلاشى، تَفْتَرُ حماسُكَ، وترجعُ إلى روتينك اليوميّ. هل هذا يعني أنّكَ لستَ مبدعاً؟ بالطبع لا! الإبداع ليسَ موهبةً خِلقيةً فحسب، بل هو ممارسةٌ، وعمليةٌ تحتاجُ إلى الصبر والمُثابرة، وإلى فهمٍ لطبيعةِ الأفكار نفسها. فكّرْ مثلاً في تلك اللحظاتِ التي يزخرُ فيها ذهنُكَ بالأفكار، كأنّها نافورةٌ من الإلهام، ثمّ تَخْبو هذه النّافورةُ تدريجياً، تاركةً وراءها شعوراً بالفراغ، أو ربّما ببعضِ الاحباط. لكنْ، لا تيأس! فالإبداعُ رحلةٌ، وليستْ وجهةً.

أفكارٌ تلعبُ كالقططِ، تُخْدِشُ ثمّ تَنعَسُ على الورقِ.

هذا القولُ يُجسّدُ بدقةٍ طبيعةَ الأفكار الإبداعية. فكّرْ في القططِ، كيف تلعبُ وتَتَحَرّكُ بِشَكْلٍ غيرِ مُتوقّع، تُخْدِشُ ثمّ تستريحُ! أفكارُنا الإبداعيةُ شبيهةٌ بها، تأتي وتذهبُ، تُلْهِمُنا ثمّ تُفاجئنا بِنَوْمِها العميقِ. قد تُخْدِشُ هذه الأفكارُ ذهنَكَ بِمُفاجآتها وأفكارها غير المُتوقعة، وقد تستقرُّ على الورقِ، أو في دفترِ ملاحظاتك، لتُشكّلَ في النهايةِ عملاً إبداعياً. المهمُ هنا هو أنْ نُحاوِلَ الإمساكَ بهذه الأفكارِ “القططية”، وأنْ نُسجّلَها قبلَ أنْ تَختفي. يمكنُ ذلك من خلالِ مذكّراتٍ، أو حتى باستخدامِ تطبيقاتٍ تُساعدُ على تدوينِ الأفكارِ فوراً.

يُمكنُ أنْ تُمثّلَ هذه “الخدوشُ” التي تتركها الأفكارُ على الورقِ، مراحلَ التطويرِ لِفكرةٍ ما. فكرةٌ مبدئيةٌ قدْ تَتطوّرُ إلى فكرةٍ أخرى، أكثرَ دقةً وتفصيلاً. وحتى لو لم تُنجزَ هذه الأفكار على الفور، فإنّ تدوينَها يُساعدُ على حفظها، ويمكنُ أنْ تُلهمَكَ لاحقاً أفكاراً جديدةً تتفرّعُ منها. لذا، يجبُ علينا عدمُ الإحباطِ إذا لم تَظهرَ نتائجُ عملنا الإبداعيّ فوراً، فالمهمُ هو المُثابرةُ والتجربةُ المُتكرّرة.

في الختام، الإبداعُ رحلةٌ تُشبهُ لعبةً معَ القططِ! تحتاجُ إلى الصبر، والقدرةِ على الاستمتاعِ بالعمليةِ ذاتها، وإلى توثيقِ الأفكارِ قبلَ أنْ تَختفي. لا تترددوا في مشاركةِ تجربتكم معَ الأفكارِ الإبداعية، واكتبوا عنها، شاركوها معَ الآخرين، ودعونا نستلهمُ من بعضنا البعض. فلنجعل من حياتنا مَساحةً خصبةً تُزهرُ فيها أفكارُنا كالقططِ، تُخْدِشُ ثمّ تَنعَسُ على ورقِ حياتنا، مُتركةً وراءها إرثاً جميلاً منَ الإبداع.

Photo by Birmingham Museums Trust on Unsplash

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top