هل سبق لك أن شعرتَ بالضياع؟ أنّك تسيرُ في الحياةِ دونَ هدفٍ واضح، وكأنّكَ تمشي على خطٍّ مستقيمٍ بلا نهايةٍ مرئية؟ نعلم جميعًا أنّ الحياةَ رحلةٌ طويلةٌ مليئةٌ بالتّحدّياتِ والمنعطفات، وفي كثيرٍ من الأحيان، نجدُ أنفسنا نَتَخبّطُ في البحثِ عن معنىً حقيقيٍّ لوجودنا. هذا الشعورُ بالضياعِ، هذا السّعيُ الدّائمُ لفهمِ أنفسنا، هو جوهرُ رحلةِ المعرفةِ الذاتيّة. فهي ليست مجردَ مُصطلحٍ فلسفيٍّ مُعقّد، بل هيَ رحلةٌ يوميّةٌ نَخوضُها جميعًا، رحلةٌ نكتشفُ فيها نقاط قوتنا وضعفنا، أحلامنا وطموحاتنا، قِيَمَنا ومبادئنا. رحلةٌ نتعرفُ فيها على أنفسنا حقّ المعرفة، ونكتشفُ من نحنَ حقًا، وما نريدُ أن نصبحَ عليه. ولكن كيف نبدأُ هذه الرحلةَ؟ كيف نُضيءُ دربَنا ونُحدّدُ اتّجاهَنا؟

كأنّك مرآةٌ تُزيّنها نجومٌ غامضة، انعكس فيها سرّك.

هذا البيتُ الشّعريّ يَعبّرُ بِجمالٍ عن جوهرِ المعرفةِ الذاتيّة. المرآةُ هنا هيَ أنتَ، والنجومُ الغامضةُ هيَ جوانبُ شخصيّتِكَ الخفيّة، أسرارُكَ التي لم تكتشفها بعد. انعكاسُ سرّكَ في هذه المرآةِ، هوَ فهمُكَ لذاتِكَ، استيعابُكَ لكلّ مكوّناتِ شخصيّتِكَ، سواءً كانت إيجابيةً أم سلبيةً. فلا توجدُ جوانبٌ “سيئةٌ” فيكَ، بل جوانبٌ تحتاجُ إلى الفهمِ والتطوير. ربّما تجدُ نفسَكَ تتجنّبُ بعضَ هذه الجوانب، تُخفيها خوفًا من النقدِ أو الحكمِ، ولكنّ المعرفةَ الذاتيّةَ تتطلّبُ منّا الجرأةَ على مُواجهةِ أنفسنا بكلّ صدقٍ وشجاعةٍ.

مثالٌ بسيط: تخيّل أنّكَ تَميلُ إلى التّأجيلِ، وهذا يَسببُ لكَ ضغطًا نفسيًا. بدلًا من التّجاهلِ أو اللومِ على النّفس، حاولَ فهمَ أسبابِ هذا التّأجيلِ. هل هوَ الخوفُ من الفشل؟ أمّ نقصُ الثقةِ بالنّفس؟ بمجردِ فهمِ أصلِ المشكلة، يمكنُكَ البحثُ عن طرقٍ للتّغلّبِ عليها، وذلكَ يُعزّزُ ثقتَكَ بنفسِكَ ويُساعدُكَ على التّطوّر.

في ختام هذه الرحلة، دعونا نتذكّر أنّ المعرفةَ الذاتيّةَ ليستَ هدفًا نصلُ إليه، بل هيَ رحلةٌ مستمرّةٌ تتطلّبُ منّا الصّبرَ والمثابرة. فلتُمسِكوا بمرآتكم، وانظروا إلى النجومِ الغامضةِ التي تُزيّنها، واكتشفوا أسرارَكم، واقبلوا أنفسكم كما أنتم، ودعوا هذه المعرفةَ تُنيرُ دربَكم نحو حياةٍ أكثرَ سعاده ورضًا. شاركوا أفكاركم و انعكاساتكم الشخصية حول هذا الموضوع، فربما تُلهموا آخرينَ في بداية رحلتهم.

Photo by mymind on Unsplash