هل سبق لك أن شعرت بوجع صديقٍ كأنه وجعك الخاص؟ هل وقفتَ يوماً متأثراً بقصةٍ سمعتها، حتى وإن لم تكن مباشرةً تتعلق بك؟ هذا الشعور، هذا الارتباط العميق بمشاعر الآخرين، هو جوهر التعاطف. ليس مجرد فهمٍ عقلاني لما يشعر به الآخر، بل هو غوصٌ في أعماق تجربته، شُعورٌ بألمه وفرحه وكأنه جزءٌ منك. في زحمة حياتنا اليومية، بين ضغوط العمل والمسؤوليات العائلية، ننسى أحياناً أن ننظر إلى من حولنا، وأن نُشاركهم أعباءهم، وأن نمد لهم يد العون ليس فقط مادياً، بل نفسياً أيضاً. التعاطف ليس رفاهية، بل هو ضرورةٌ لبناء علاقاتٍ إنسانيةٍ صحيةٍ و مجتمعٍ متماسك. إنه الأساس الذي تُبنى عليه الصداقات القوية، والعلاقات العائلية المتينة، وحتى التعاون المثمر في العمل. فكيف نُنمي هذا الشعور المهمّ؟ وكيف نجعله جزءًا لا يتجزأ من حياتنا؟
أجنحةٌ من ريشٍ خفيف، تحملُ أوزانَ عقولٍ أخرى.
هذا القول البديع يُلخص جوهر التعاطف ببراعة. “أجنحةٌ من ريشٍ خفيف” تشير إلى سهولة وطبيعية التعاطف، إلى قدرة القلب على الانفتاح على الآخرين ببساطة. لكنها تحمل “أوزانَ عقولٍ أخرى”، أي أنها تتحمل عبء آلام الآخرين وأفكارهم ومشاعرهم. ليس من السهل دائماً تحمل هذه الأوزان، فالتعاطف يتطلب جهداً نفسياً، يتطلب أن نخرج من أنفسنا قليلاً، ونضع أنفسنا مكان الآخرين، ونفهم ظروفهم وخلفياتهم. تخيّل نفسك تحمل هموم صديق يعاني من مشكلة صحية، أو تستمع باهتمامٍ بالغ لشكوى زميلٍك من ضغوط العمل، فأنت هنا تحمل “وزناً” من همومه، لكنك تفعل ذلك بأجنحةٍ رقيقة من التعاطف.
التعاطف ليس مجرد كلماتٍ معسولة، بل هو أفعالٌ ملموسة. قد يكون سماعك باختيارٍ لحديث شخصٍ مهمومٍ أكثر فاعلية من تقديم نصائحٍ جاهزة. قد يكون مُشاركة شخصٍ في حزنه بصمتٍ، أو مُساعدته في إنجاز مهمةٍ ما، أكثر تأثيراً من عباراتٍ عامةٍ عن التعاطف. التعاطف فنٌّ يُتقن بالممارسة، ويتطلب التمرّن على الاستماع الفعّال، والقدرة على فهم الآخر دون حكم، والرغبة في مساعدته بقدر الإمكان.
في الختام، يُعدّ التعاطف قيمةً إنسانيةً سامية، وهو أساسٌ لبناء علاقاتٍ صحيةٍ ومجتمعٍ متماسك. لذا، دعونا نُدرك قوةَ التعاطف، ونُحاول كلّ يومٍ أن نُطوّر قدرتنا عليه. خذوا بعض الوقت للتفكير في كيف يمكنكم ممارسة التعاطف في حياتكم اليومية، و شاركوا خبرتكم مع الآخرين. فلنُكوّن معاً مجتمعاً يُقدّر التعاطف، ويُحتفي به، ويجعله قوةً دافعةً للبناء والإبداع.
Photo by Umberto on Unsplash